الجواب :
إن مما يؤسف أن تجد مراجع علمية كالموسوعة البريطانية تكتب أمورا إسلامية ، وقضايا قرآنية دون تمحيص ودقة علمية مما يجعلها تأتي بكل غريب ونشاز.
فقضية قصر الآيات وطولها أمر توقيفي لا اجتهادي عينه المصطفي ـ صلىاللهعليهوسلم ـ وكان مراعيا فيه لمقتضى حال المخاطبين وليس لتأثره بالبيئة المكية أو المدنية. وكان مراعيا كذلك أفانين الكلام عند العرب في كلا البيئتين ، حيث كان عندهم أسلوب الإطناب والإيجاز ، فجاءت الآيات على الأسلوبين سواء في مكة أو في المدينة ، وأهل مكة لم يكونوا شعراء فقط بل كانوا كذلك أدباء بلغاء لا يقلون في الإبداع عن كونهم شعراء أفذاذ ، لأن الكلام بضاعتهم في كل نواحيه ، وقد اشتهر منهم في مكة أدباء أصحاب نثر بديع كما اشتهر فيهم شعراء مبدعون.
وهناك أمر هام وهو أن السور المكية لم تكن كلها ذات آيات قصيرة ، وكذلك لم تكن المدنية كلها ذات آيات طويلة كما يظن المستشرقون. فمن السور المكية من آياتها طوال وهي كثيرة العدد أكثر من بعض السور المدنية كما هو الحال في سورة الأنعام ، وغيرها.
ومن السور المدنية قصيرة الآيات ، قليلة العدد كسورتي النصر والإنسان ، وغير ذلك كثير.
إذن فمسألة القصر والطول أمر رباني ومسألة توقيفية روعي فيها مقتضي حال المخاطبين على غير ما يتصوره المستشرقون (١).
كما أن الإتيان بالمعاني العظيمة في الأسلوب الموجز يعتبر أبلغ مما لو جاء بها في الأسلوب المسهب قال السخاوي : [.. والقرآن الكريم على أيهما جاء فهو
__________________
(١) مناهل العرفان في علوم القرآن ١ / ٢٠٩.