يعيشها السلطان وحاشيته ، وتحركه في موكبه من مكان إلى آخر. فقد يستقرون بعض الأحيان في أحد القصور السلطانية ، وتكون الخيام أحيانا أخرى مأوى لهم ومقاما.
ومقابل ذلك ، كان الموظف المخزني العامل بداخل البلاط يحقق بعض المكاسب. إذ يجد نفسه في غنى عن تحمل أعباء مصاريف حياته اليومية على جميع المستويات ، من مسكن وطعام وكسوة. وفي عهد السلطان مولاي عبد الرحمن ، لم يكن كبار موظفي البلاط السلطاني يتقاضون أي رواتب أو أجور محددة. فكانوا من الناحية النظرية ، مرتبطين مباشرة في كل حاجياتهم بشخص السلطان الذي يمكن أن ينعم عليهم بدور للسكنى أو بقطع أرضية يستغلونها فلاحيا ، وأيضا بالكسوة وحتى بمقادير مالية في بعض الأحيان. لكنهم في الواقع ، يستغلون سلطتهم المستمدة من مكانتهم كعاملين في خدمة البلاط ، فيكونون ثرواتهم الشخصية. وبصفة عامة ، فقد كان كبار موظفي المخزن يحيون دائما في بحبوحة من العيش ، وينعمون باليسر والرفاهية ، بل وحتى ببعض مظاهر الترف (١).
ولو كان لدى المرء حرية الاختيار ، لكان من الصعب عليه جدا مقاومة جاذبية الحياة داخل البلاط. وما حدث لمحمد الصفار ، هو أنه لم تتح له فرصة لتحديد اختياره ؛ إذ أصبح محروما من حماية راعيه بالأمس في تطوان عبد القادر أشعاش ، ودب إليه اليأس والاكتئاب من جراء المدة التي قضاها محبوسا بحرم الزاوية ، فلم يبق أمامه سوى الارتماء في أحضان الخدمة المخزنية داخل القصر السلطاني. وعاش الصفار طوال الثلاثين سنة اللاحقة منغمسا إلى أقصى الحدود في الوسط المخزني المركزي القريب جدا من شخص السلطان ، فما لبثت فردانيته أن انصهرت في بوتقة النسيج المخزني العريض ، ليصبح جزءا لا يمكن فصله عن مكوناته وارتبطت حياته
__________________
(١) تتضمن المراجع التالية وصفا للحياة بداخل البلاط السلطاني خلال القرن التاسع عشر :
E. Aubin, pseud,) Le؟on Descos (, Morocco of To ـ day) London, ٦٠٩١ (, ch. ٢١; E. Michaux ـ Bellaire," Au palais du sultan marocain", RMM ٥, ٨) aoچ t ٨٠٩١ (: ٧٤٦ ـ ٢٦٦;
وللمؤلف نفسه مادة المخزن «مخزن» في» El l ,s.v."Makhzen ". وأهم ما صدر في هذا الباب باللغة العربية ، كتاب عبد الرحمن ابن زيدان ، العز والصولة في معالم نظم الدولة ، في جزئين ، (الرباط ، ١٩٢٩ ـ ١٩٣٣) ، الجزء ١.