داود أن الصفار كان يجمع بين تلك الميزتين معا ، واستطاع أن يصبح بسرعة من أبرز العدول الموجودين في تطوان. كما كان يقدم الفتاوى في القضايا الدينية ، وينوب أحيانا عن القاضي في اتخاذ القرارات. ويحتمل أنه كانت لديه طموحات ليصبح قاضيا على تطوان.
كان الصفار إضافة إلى مهام العدلية يدرس بمساجد تطوان مواد الحديث والفقه (١). كما اعتمد تقديم دروس عمومية عند الضحى من كل يوم في مواضيع المعاملات ، ودروس أخرى في العبادات فيما بين العشاءين. ومما لا شك فيه أن تلك الأيام قد شكلت أوقات حبور وطمأنينة له. إذ حظي عند التطوانيين أهل بلدته بالاحترام والتقدير ، فانغمس في تلك البيئة المريحة التي وفرتها له تطوان مسقط رأسه ، منشغلا بمهام التدريس وخطة العدالة. كما نعم الصفار بحياة عائلية مستقرة بعد زواجه بالشريفة مباركة بنت المؤذن ، فكانت له منها بنتان تزوجتا في تطوان ، وما زالت ذريتهما تعيش بهذه المدينة إلى اليوم (٢).
غير أن حياته الهادئة لم تبق على ذلك الحال بصفة دائمة ، وربما عرفت نهايتها بعد مصاحبته عامل تطوان محمد أشعاش ، وملازمته لابنه عبد القادر أشعاش الذي تولى المنصب نفسه بعد وفاة أبيه. وتقول المصادر إن الصفار قد أبعد على مضض عن متابعة القيام بمهمتي التدريس والعدلية ، ومورست عليه بعض الضغوط لحمله على الدخول في خدمة باشا المدينة. ونظرا لمكانة الصفار الجهوية ، وتمكنه العميق من أسرار اللغة العربية وعلوم الشريعة ، فقد أصبح مستشارا لعبد القادر أشعاش في كل القضايا ذات الصبغة الشرعية الصرفة. ويبدو أن دخول الصفار مرحلة الممارسة لمهامه
__________________
(١) كان من بين تلامذته الشيخ المفضل أفيلال أحد رجالات تطوان المعروفين آنئذ. وقد ترك كناشة أشار فيها إلى أنه بدأ دراسته لكتاب مختصر خليل مع الصفار في ١٢٥٨ / ١٨٤٢ ، ولامية الأفعال لابن مالك في ١٢٥٩ / ١٢٤٤ ، تطوان ، ٧ : ٧٨ ـ ٧٩. والمختصر كما هو معلوم هو تلخيص لموطأ الإمام مالك ، وضعه الشيخ خليل بن إسحاق الجندي ، ٩٦ : ٢GAL S. أما لامية الأفعال فهي في موضوع النحو وقواعد اللغة ، وقد وضعها جمال الدين بن علي ابن مالك ، ٥٢٦ : ١.GAL S والألفية أيضا منظومة في النحو لابن مالك ، ٥٢٢ : ٢.GAL S.
(٢) بعد مغادرة الصفار لمدينة تطوان ، فتح بيتا جديدا في فاس وتزوج هناك مرات عديدة إلى أن بلغ عدد الزيجات أربعا ، وهو العدد الذي تسمح به الشريعة الإسلامية. كما كانت له عشرة مع عدة إماء.