الجدية والتواضع
والدماثة ، لبقا لطيف السلوك. وكان أشعاش شديد الاهتمام بإظهار تمسكه الشديد
بعقيدته ، واتسامه بالاحترام وعلو المنزلة. كما كان حرصه شديدا على أن يتم
استقباله بطريقة جيدة تقديرا لشخصه أو لشخص السلطان الذي كان يمثله أكثر من عزمه
على تحقيق هدف سياسي معين». وكان إرساله إلى باريز «دليلا للتعبير بواسطته عن
علاقات الصداقة بين المغرب وفرنسا» . ويكشف كيزو النقاب ، من خلال تعليقاته الواردة في مذكراته
، كيف أن السفارة في أعين الفرنسيين كانت لا بد من أن تكون متناغمة مع الإطار
الأوربي المتميز بنظرته المتمحورة على الذات إزاء الأحداث ، وبشكل هيمنت فيه
رغبتهم الواضحة في استعراض مظاهر التفوق الفرنسي. إن ما تميز به ضيوفهم المغاربة
من كياسة ومجاملة ، بالإضافة إلى حضورهم القوي فعلا ، قد اعتبر في حد ذاته مؤشرات
ناطقة بالنجاح الذي حققته فرنسا في اتباعها سياسة خارجية تهدف ، حسب تعبير كيزو ،
إلى «ضمان سلامة ممتلكاتنا في إفريقيا» . وعبر أيضا عن اعتقاده بأن الزيارة كانت ناجحة ، لأنها أدت
ـ كما بدا له ـ إلى جعل المغاربة قريبين أكثر من أي وقت مضى ، إلى قبول فرنسا
كعنصر له حضوره الدائم في المنطقة. وكانت قراءته تلك للأحداث صائبة في عمقها ، لأن
السفارة وجدت مكانا لها ضمن نوادر التاريخ الفرنسي ، كفصل من فصوله المثيرة التي
اهتم مؤرخو الحقبة الاستعمارية بتدوينها ، واعتبارها دليلا على «عظمة فرنسا» وعلى
نجاحها في بسط نفوذها على شمال إفريقيا ، الأمر الذي كان من العسير تفاديه .
وبعد انتهاء أشعاش
من تنفيذ مهامه السياسية ، أطلق العنان لنفسه ولأعضاء البعثة المرافقين له
للاستمتاع بباريز وعالمها العجيب. وعلى عكس ما كتبه الصفار
__________________