ومن أبلغ أنواع الرقص عندهم ، أن يمسكها الرجل من خصرها ، فيجعل ذراعه على خصرها ويضمها لعنده بلطافة بحيث لا يعصرها ، ويجعل يرقص معها. ورقصهم إنما هو بالدوران والإشارة بالقدمين ، ويرقص النساء وحدهن والرجال وحدهم. وتارة يمسك رجلان امرأة ويرقصان معها ، وليس ذالك عندهم عيبا ولا مخلا بالمروءة ، فترقص المرأة بحضور زوجها مع غيره. وإذا ترادف عليها الرجال بحيث يطلقها هذا ويمسكها هذا رغبة منهم في الرقص معها ، فتنشط لذالك وتفرح له وتعظم في نفسها لكون رقصها معجبا. وقد رأيت السلطان بنفسه واقفا وأولاده ونساء أولاده وبناته يرقصون مع بعضهم بعضا ومع غيرهم ، وهو يفرح لذالك ويضحك (١).
والحاصل هذا عندهم من الفرح الكبير والزهو العجيب ، الذي لا يأتي إلا مرة أو مرتين في السنة. ويبقون يرقصون ساعة ، فتسكت الموسيقى ويفترون للاستراحة ثم يعودون ، وهكذا إلى آخر اليل. ومن أحب من الحاضرين أن يستريح ، خرج إلى بيت آخر معد عندهم للاستراحة فيجلس فيه ، وأما في محل الفرجة فلا يجلس إلا النساء. ومن أراد الشراب أو التفكه بالفواكه أو الحلاوي ، خرج إلى بيت آخر فيه سائر ذالك ومعه خدمة يناولون من أراده طول اليل. حتى إذا فرغوا من الرقص واستقصوا فيه مجهودهم أمسكوا عنه ، فنصبت موائد الأطعمة والطبلات ، بل كانت تهيأ من أول اليل في موضع على حدته. وليس هذا الطعام إلا للنساء ، فاعتزل النساء كلهن على حدتهن في بيوت ، ثم حشدن لموضع الطعام وجلسن على تلك الطبلات فأكلن وشربن. ومن اعتنوا به من الرجال ، أجلسوه في بيوت عالية تشرف على ذالك المحل لينزه لواحظه.
قيل إن جملة من حضر هذه الليلة من الرجال والنساء أربعة آلاف ، النساء منهن خمس عشرة ماية. وكانت صيلان هذه الدار على كثرتها واتساعها مشحونة بالناس في غاية التزاحم والتضام ، بحيث لا يمكنك أن تشق بالمرور في وسطهم. وذكروا أن جملة ما يصرفه السلطان على هذه الليلة عشرون ألف ريال. وأما ما كان يوقد فيها من الشموع والزاجات فالآلافات التي لا تحصى.
__________________
(١) قارن بين هذا الوصف وما كتبه الغساني عند حديثه عن عادات الرقص وطرقه المعروفة عند الإسبانيين. انظر : افتكاك ، ص. ٣٠.