التحام بعضها ببعض مع التراب ، فإذا حصل الخلل في موضع منها فرشوا فيه تلك الحجارة وسووها والكراريط تدقها في حال مرورها عليها حتى تصير أصلب ما يكون. وإن كان بجانبها جرف ، بنوا بطرفها وسادة تدعمها. وجل حافتها في كثير من المواضع مغروس بالأشجار العظام تظلل الطريق. وليس لهم نهر ولا خندق ولا حفير ولا خليج إلا عليه قنطرة (١). فما رأينا في طريقنا هذه من يخوض نهرا قط برجله أو دابته. ولا تجد في الطريق شقا أصلا ، كلها مسطحة مستوية ، لا تعثر الدابة ولا الكروصة في شيء منها أصلا. ومن شدة اعتنائهم بها أنا وجدنا في مواضع منها أناسا بيدهم شطاطيب (٢) يسوون بها أثر مشي الكراريط ، ليلا يتتابع مشيها في محل واحد فيصير شقا أو حفرة تتأذى بها الطريق.
ومن اعتنائهم بها أيضا أنهم جعلوا في كل البلدان أو جلها موازين يزنون بها أثقال ما في الكراريص. وبيان كيفيتها أنها دفة غليظة من الخشب مركبة على شيء تحتها ، إذا أحست بالثقل نزلت بقدر ما يكون عليها من الثقل. ولهم رشوم (٣) في
__________________
(١) كانت القناطر نادرة في المغرب خلال أربعينيات القرن التاسع عشر ، وإن كانت تتوفر البلاد على نماذج منها. فقد أشار جون دارموندهاي إلى مروره ، وهو في طريقه إلى مراكش سنة ١٨٤٦ ، على قنطرتين ذوي بناء محكم متين ، تتكون إحداهما من خمسة أقواس وتقع على مقربة من منطقة الشاوية ، قيل إن أعمال بنائها أنجزت على يد أحد الإسبانيين. في حين تتكون الثانية من خمسة وعشرين قوسا ، وتقع قرب مراكش. غير أن عبور جل الوديان والمجاري المائية في المغرب كان لا بد من أن يتم بواسطة المراكب. وذكر دراموندهاي أن عبوره لواد سبو صحبة جماعة من مرافقيه ، قد استنفذ منه يوما كاملا ، إذ «بدأت عملية العبور مباشرة بنقل الخيول والأمتعة دفعة واحدة [...] على متن مركب قديم حالته مزرية جدا [...] وكان الواد عريضا سريع الجريان. ولم يكن يتوفر المركب إلا على مجدافين ، فاستغرقت كل من مراحل العبور أزيد من ساعتين ؛ وبالرغم من شروعنا في عبور الواد مع بداية النهار ، فإننا لم ننته من ذلك إلا مع غروب الشمس.» Hay ,Journal ,p.٠٢
(٢) مفردها شطابة بتشديد الطاء على وزن فعالة : أداة للتشطيب ، وهي المكنسة ، ٧٥٦ : ١Dozy ، (المعرب).
(٣) مفردها رشم ، ومعناها هنا أرقام لتعداد المسافات ، ٥٣٢ : ١Dozy ، (المعرب).