الذكور والإناث كما هو حال أغلب الوقائع الاجتماعية. وكان يعتبر غياب الحواجز بداخل المجال المكون للحمام ، وإتاحته حرية المرور والالتقاء بين الأفراد وأجسادهم عارية ، شيئا لائقا ولا عيب فيه. وبعبارة أخرى ، كان الحمام مسألة تدخل في إطار اهتمامات الناس بصفتهم يمثلون جماعة وليس بقضية شخصية تخص الفرد وحده. ومع إعجاب الصفار الكبير بالطابع التكنولوجي المميز للحمام ، فإنه ظل غير مقتنع بضرورة الانفراد والانعزال أثناء الاستحمام. وأشار الصفار ملمحا إلى أن تلك المميزات التكنولوجية ربما لم توظف في محلها المناسب ، إذ كان بالإمكان استغلال تجهيزات من ذلك القبيل بطريقة أكثر نفعا ، كتمكين المرء من القيام بالشعائر التي كانت بالفعل غير متوافرة.
وأصبحت درجة الارتباك إزاء الحدود المجالية الفاصلة أكثر ارتفاعا ، حينما تعلق الأمر بالعلاقات القائمة بين الرجال والنساء ، والتي اختلفت المقاييس المتحكمة فيها بشكل جذري عما هو سائد في المغرب. ويبدو أن استيعاب الصفار لدروسه كان سريعا في هذا الإطار ، بل نجده تواقا إلى مشاطرتنا إياه تلك المعرفة المكتسبة. لقد تقمص الصفار دور المرشد المعين ، وشرع في توجيه النصائح لنا حول كيفية معاملتنا للنساء بالطريقة المناسبة لو كتب لنا نحن أيضا أن نكون يوما ما في فرنسا ، فقال ما يلي : «وأما العفيفات منهن ، فإن من دخل بيت زوجها وهي هنالك ، فإنه لا يعد من الظرفاء والأدباء إلا إذا أبدأها بالتحية وخاطبها خطاب مباششة وملاطفة في عفة. وبذلك ينشط زوجها ويزداد عنده فاعل ذالك رفعة ومحبة» (١).
إن الأمور قد انقلبت تماما هنا رأسا على عقب ، لأن الصفار الذي ينتمي إلى ثقافة تقليدية يعتبر فيها اللقاء بين الرجل والمرأة من قبيل الأشياء النادرة ، يجد أمامه إمكانات عديدة للتفاعل مع النساء الفرنسيات اللواتي كن عنده موضع إعجاب وتقدير كبيرين. هذا في الوقت الذي كانت فيه النساء في المغرب يضعن الخمار على وجوههن أثناء وجودهن خارج البيت حتى يكن محجوبات كليا عن العيون ، بل وكن يظللن حبيسات الجدران والأبواب لكي لا يصبحن عرضة للمشاهدة المفضوحة بأعين الغرباء. أما في فرنسا ، فإن هناك غياب يكاد يكون مطلقا لمثل تلك الحدود الفاصلة بين الطرفين. إذ تختلط النساء مع الرجال في الصالونات ، ويتزين بملابس تكاد لا
__________________
(١) انظر الصفحات اللاحقة من هذا الكتاب.