والأطباء ، والهندسة والمهندسين. انظر إليه بين الطلاب فى جميع درجات التعليم. انظر إليه بين الزراع والتجار والصناع والعمال ، انظر إليه فى كل مظهر من مظاهر الحياة ؛ تر الرطانة قد سرت إلى الألفاظ كما يسرى السم فى الجسد ، وتجاوزت الألفاظ إلى الأساليب ، حتى إنك لترى اللغة العربية وقد كانت برزة ، جميلة المواقف ، سليمة اللهجة ، أصبحت وفى وجهها ردّة ، وفى لسانها رتّة وحكلة.
ولم يسلم من هذا الداء إلا القليل من ذوى الحميّة والغيرة على لغتهم ، ولكن تحرّجهم مع عدم وقوعهم على ما يرجون من ألفاظ اللغة الخاصة جعلهم يلجئون إلى وصف ما يريدون مما يدور بخلدهم من المعانى والأفكار فيضربون حولها نطاقا من الألفاظ علّهم يقيدونها ويميزونها ، وقد يجرّهم ذلك إلى الإسهاب والإطناب ، وهيهات أن يؤدّى الفرع ما يؤدّيه الأصل.
كان لهذا الإهمال أيضا أثره فى تلقيح عقول النشء بذلك اللقاح الضارّ ، فتأثرت نفوسهم به ، ونبتت فى رءوسهم فكرة جرت بها ألسنتهم من غير أن يعرفوا حقيقتها ، أو يدركوا مداها ، فزعموا ـ من غير تثبت ـ أن اللغة العربية لغة أمة بدوية لا تمتّ للمدنيات بنسب ، ولا تتصل بالحديث بسبب ، فنشأت بطبيعتها عاجزة عن مجاراة الحديث ، فوقفت والعالم يحثّ الخطا ، وتخلفت والركب يسير.
ساعد على أن يقع هذا الزعم من نفوسهم موقع اليقين أن الكثيرين منهم درسوا أكثر علومهم بلغة غير لغتهم ، فاتسعت معلوماتهم فى اللغة الأجنبية بقدر ما ضاقت فى لغتهم ، وامتزجت الأولى بسلائقهم بقدر ما ندّت الثانية عن ملكاتهم. ولكنه زعم من لم يطّلع ، وحكم من لم ينقّر. ولو روّى هؤلاء قليلا لعلموا أن لغة العرب فى بداوتهم هى لغة العباسيين والأندلسيين فى مدنيّتهم وحضارتهم ، وقد وسعت ما كان للفرس واليونان والرومان من علوم وفنون وفلسفة وغيرها من دواعى الحضارة وأسباب الرفه.
والحق أن لهؤلاء بعض العذر ؛ فقد حملهم على هذا قلة المراجع العربية بأيديهم ، وصعوبة البحث فى المتداول منها ، حتى إن المتحرى منهم ليلقى عنتا دائبا ، وهمّا ناصبا ، فى البحث عن كلمة تقع الموقع المرجوّ من حاجته ، وقد يلحّ المرء فى طلبها إلحاحا ، ويقضى الأوقات النفيسة ، يبحث عنها وينقّر ، ويقتفى أثرها ويقتفر ، وقد لا يظفر بحاجته ، ولا يهتدى لضالّته ، وربما كان