مقدمة الطبعة الأولى
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الموفق للرشاد ، والصلاة والسلام على أفصح الناطقين بالضاد ، سيدنا محمد القائل : أحب العرب لثلاث : لأنى عربى ، والقرآن عربى ، ولسان أهل الجنة فى الجنة عربى ، وعلى آله وصحابته والتابعين.
أما بعد ، فإن بين لغة الأمة وأحوالها صلة وثيقة ، وقرابة وشيجة ، فهى لسان نهضتها ، ومذود زعامتها وقيادتها. بها تستثار الهمم ، وتستحث العزائم. وببيانها تكشف الجهالات ، وتقال العثرات ، وتتّقى الهلكات ، ويستذكر المجد التالد ، وتتوثق الروابط. هى حلل المعانى والآراء ، وترجمان الحوادث والأفكار. وبأسمائها تتسم المسميات ، وتتعرف النكرات ، وتتخصص المبهمات ، وتمتاز المستحدثات والمبتكرات.
من أجل هذه الرحم المبلولة ، وتلك الصلة الموصولة بين الأمة ولغتها ، كانت نهضة الأمة نهضة للغة ، وعثرتها عثرتها. ولقد خطت الأمة المصرية خطوات واسعة فى طريق الحضارة والمدنية : فارتقت العلوم ، وتعدّدت الفنون ، وتقدّمت الصناعات ، واتسعت الأفكار ، وسايرت اللغة هذا التقدّم ، فكثرت المؤلفات فى العلوم والفنون المختلفة وفى اللغة العربية نفسها ؛ إلا أن العناية التى نالت فروع اللغة لم تنل منبع ثروتها ، ومعين مادّتها ، ومصدر حياتها ، ذلك هو متن اللغة ، ناسج أبرادها ، وحائك غلائلها ، ومشرق شمسها ، ومهبط وحيها ، وواهبها الظهور ، ومكسبها النشور.
أهمل هذا الجانب من اللغة اهمالا كان له أثره ، ألم تر كيف كان لإهماله أثر واضح فى كل ما يتصل به؟ انظر إلى ذلك الأثر فى كتابة الكتاب على اختلاف طبقاتهم ، وتعدّد مذاهبهم وأبحاثهم. انظر إليه فى ترجمة العلوم المختلفة ، والفنون المستحدثة. انظر إليه فى لغة الطب