مطلوبه منه عن كثب ، ولكنه قد انتحى من الكتب ناحية غير مظنّة وجوده ، ساقته إليها المصادفات ، وزجّه فيها الاستطراد لأدنى ملابسة ، ولغير أدنى ملابسة ، فلا يهتدى الإنسان إليه إلا حين يطلب غيره فلا تكون له إليه حاجة. ذلك لأن نظام تلك المعاجم وتنسيق ما فيها على حسب الألفاظ يحصر أوجه الانتفاع بها ، فلا ينتفع بها إلا قرّاء العربية حين يعترضهم لفظ غريب ، وأما الكتاب والمنشئون والمترجمون وغيرهم فهم فى حاجة ماسّة إلى معجم يسعفهم باللفظ حين يحضرهم المعنى.
تلك حال اللغة العربية الآن : لغة القرآن الكريم ، لغة الدين الحنيف ، لغة الشريعة الاسلامية ، لغة الأمة القومية ، لغة الدولة الرسمية ، لم تنل من تأييد أولى الأمر ، ولا من تشجيع الأمة ما يأخذ بيدها ، ويدفع المشتغلين بها إلى موالاة الدأب ، واحتمال النصب فى خدمتها ، وإنهاضها من كبوتها.
عملنا لخدمة اللغة
ابتدأنا حياة التدريس بالمدارس الابتدائية ، فرأينا إخواننا مدرّسى الترجمة يفزعون إلينا فى إسعافهم بالألفاظ العربية الصحيحة لما يريدون ترجمته ، فكانوا يصوّرون لنا المعانى ، ويطالبوننا بالألفاظ ، وكنا فى كثير من الأحيان لا يمتدّ بنا اطلاعنا إلى مدى ما يريدون ؛ إما لأن المطلوب اسم أداة خاصة فى بعض الصناعات التى استتبع جهلنا إياها جهلنا ما يتصل بها ، أو لأن المطلوب معنى دقيق غير متداول ، فكنا نقف أمامهم موقف العجز ، ونقرّ بالقصور. ينالنا هذا العجز والمعاجم العربية بأيدينا ، ولكن ما غناء تلك المعاجم ومفاتيحها الألفاظ ، وهذه هى الضالة المنشودة.
لمسنا موضع النقص فى التأليف ، فاعتزمنا أن نقوم بنصيبنا فى سدّ هذه الثلمة ، وتذليل تلك العقبة بالقدر الذى تسمح به جهودنا ومواهبنا.
فزعنا إلى كتب اللغة التى بين أيدينا ، والتمسنا منها ما يدنينا من غايتنا فوجدنا ، أن كتاب «المخصّص» لابن سيده أرفع هذه الكتب جنابا ، وأوسعها رحابا ، وأحكمها نظاما وتبويبا ، وأفضلها تنسيقا وتهذيبا ؛ غير أنه عباب خضمّ ، وعيلم غطمّ. يؤيد رواياته الكثيرة بشواهده المنظومة والمنثورة ، ويعزز ما يورده بآى القرآن الكريم والحديث الشريف ومأثور الأمثال ، ويستطرد