وكذلك نجد «الإفصاح» كتابا محكما يفضل أصله بالتحقيق والتوضيح وخفة الجسم وجمال الطبع ، فجمع إلى الوثوق بأصله القديم طراوة الحديث.
وأصبح وجوده كالعثور على إحدى الحلقات المفقودة فى سلسلة التآليف ؛ فإن المدنية جرفت كل قديم ، ووجدت من يقومه أو يستبدل به غيره جملة ، فاستقرت فى كل شىء : كوسائل العمل والسفر وفى المساكن والأزياء ، ولم يبق إلا التصانيف فى علومنا فإن قديمها هجر وملّ لحشوه وفضوله وعدم ملاءمته لمقتضيات الوقت ، ولكن لم تنشط الهمم لتصفيته وإعادة سبكه ، حتى ليوشك أن تصبح كتبنا القديمة رموزا يشق حلها كاللغات القديمة ، إذا مضى هذا الجيل العارف بها ، المارن على فهم أساليبها ، من غير أن يحولها إلى ينابيع سهلة الورود على الأبناء والأحفاد.
فصاحبا الإفصاح وفّقا كل التوفيق ، وأحسنا إلى اللغة والأمة ، وعلّما المتأدبين والمشتغلين بالعلم كيف ينفعون؟