متوقعة (١) لها بوساطته ، ويكون هو بدنها (٢). ولكن لقائل أن يقول : إن هذه الشبهة (٣) تلزمكم فى النفوس إذا فارقت الأبدان ، (٤) فإنها إما أن تفسد ولا تقولون به ، وإما أن تتحد وهو عين ما شنعتم به ، وإما أن تبقى متكثرة ، وهى عندكم مفارقة للمواد ، فكيف تكون متكثرة. (٥) فنقول : أما بعد مفارقة الأنفس (٦) للأبدان ، فإن الأنفس قد وجدت (٧) كل واحدة (٨) منها ذاتا منفردة (٩) باختلاف موادها التي كانت وباختلاف أزمنة حدوثها واختلاف هيئاتها التي لها بحسب أبدانها المختلفة لا محالة. فإنا نعلم يقينا أن موجد المعنى الكلى شخصا مشارا إليه لا يمكنه أن يوجده شخصا أو يزيد له معنى على نوعيته به (١٠) يصير شخصا من المعانى التي تلحقه عند حدوثه وتلزمه ، علمناها أو لم نعلم. ونحن نعلم أن النفس (١١) ليست واحدة فى الأبدان كلها ، ولو كانت واحدة وكثيرة بالإضافة لكانت عالمة فيها كلها أو جاهلة ، ولما خفى على زيد ما فى نفس عمرو ، لأن (١٢) الواحد المضاف إلى كثيرين يجوز أن يختلف بحسب الإضافة. وأما الأمور الموجودة له فى ذاته فلا يختلف فيها ، حتى إذا كان أب لأولاد (١٣) كثيرين وهو شاب لم يكن شابا إلا بحسب الكل ، إذ الشباب له فى نفسه فيدخل فى كل إضافة ؛ وكذلك العلم والجهل والظن وما أشبه ذلك إنما تكون فى ذات النفس وتدخل مع النفس فى كل إضافة.
فإذن ليست النفس واحدة ، فهى كثيرة بالعدد ، ونوعها واحد ، وهى حادثة ، كما بيناه. فلا شك أنها بأمر ما تشخصت وأن ذلك الأمر فى النفس الإنسانية ليس هو الانطباع فى المادة ، فقد علم بطلان القول بذلك ، بل ذلك الأمر (١٤) لها (١٥) هيئة من الهيئات ، وقوة من القوى ، وعرض من الأعراض الروحانية ، أو جملة منها تشخصها باجتماعها وإن جهلناها. وبعد أن تشخصت مفردة فلا يجوز أن تكون هى والنفس الأخرى بالعدد ذاتا واحدة ، فقد أكثرنا القول فى امتناع هذا فى عدة
__________________
(١) متوقعة : متوقعا د ، ف ؛ متوقعتها ك
(٢) بدنها : بدنه د ؛ بدنها م
(٣) الشبهة : الشبه م.
(٤) الأبدان : للأبدان ك.
(٥) تكون متكثرة : يكون متكثر م
(٦) الأنفس : + تكون ف.
(٧) وجدت : وجد د ، ك ، م
(٨) واحدة : واحد م ؛ ساقطة من د ، ك
(٩) منفردة : مفردا م.
(١٠) به : ساقطة من م.
(١١) أن النفس : ساقطة من م.
(١٢) لأن : ولأن م.
(١٣) أب لأولاد : أبا أولاد م.
(١٤) الأمر : ساقطة من د (١٥) لها : له د ؛ ساقطة من ك ، م.