(هذا يَوْمُ الْفَصْلِ) : فصل القضاء ، فلا رجوع بالاعتذار ، وفصل الحق عن الباطل فلا اعتراض (جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ) ف (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ) (٤٤ : ٤٠) (فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ) حيلة للفرار أو الاستعفاء والاعتذار (فَكِيدُونِ) كلّا! وإنما هو الصمت الكظيم ، في ذلك اليوم العظيم على العذاب الأليم (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ).
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي ظِلالٍ وَعُيُونٍ. وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) :
إنهم (فِي ظِلالٍ) : (وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلاً) (٤ : ٥٧) ظلال ظليلة تعاكس ظلال المكذبين ، ظلال عن نور الشمس بما تجنهم من أشجار ، كذلك وهم في ظلال السابقين والمقربين.
(وَعُيُونٍ) تحت هذه الظلال ، بكل جلال ودلال (وَفَواكِهَ مِمَّا يَشْتَهُونَ) وهذه النعم الناعمة للمتقين (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) ويل على ويلهم!
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ. كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) :
ويلهم إذ لا يتمتعون إلا قليلا ، وكلّ فان قليل ، ولا سيما الذي يعقّب العذاب الوبيل ، وهذه القلة المنقطعة بانقطاع الحياة الدنيا ، ليست إلا (إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ) : قطعتم ثمرة الحياة واجتثثتم أصولها بالمغريات.
فأنتم أجرمتم الأكل والمتعة : قطعا لهما عن الخلود ، وحصرا في الأولى الفانية القليلة : (أَرَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ فَما مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ) (٩ : ٣٨).
فويلهم في هذه المتعة القليلة ، إذ جنّدوا لها طاقاتهم الكثيرة وخسروها بها ، ويلهم بعدها : أكل ومتعة قليلة يتوسطان ويلين : فكلوا وتمتعوا قليلا في الأولى ، لتحرموا وتعذبوا طويلا في الأخرى : (مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهادُ) (٣ : ١٩٧) (قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلاً إِنَّكَ مِنْ أَصْحابِ النَّارِ) (٣٩ : ٨).