(٣ : ٧٧) أجل ـ وفيم ينطقون؟ ، فهل في تخليص أنفسهم عن رهانة العذاب بعد ثبوته عدلا؟ (وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِمْ بِما ظَلَمُوا فَهُمْ لا يَنْطِقُونَ) (٢٧ : ٨٥) فهم في البداية محكومون دون حاجة الى استئناف وتمييز ، إذ لا يخفى على الحاكم هناك أمر عن إضبارات المحكوم عليهم ، ولا هو جائر فيميل عن العدل فيهم.
أم ينطقون بالاعتذار وقد مضى حينه وحان حين الجزاء الوفاق وإنما الاعتذار لمن كان له عذر والله أجل وأعدل وأعظم من أن يكون لعبده عذر ولا يدعه يعتذر به ، ولكنه فلج فلم يكن له عذر (١) : (لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٦٦ : ٧) (لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ) (٩ : ٦٦). فلا كلام هناك إلا بإذن الرحمن إذا كان صوابا : (لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمنُ وَقالَ صَواباً) (٧٨ : ٣٨) فالكلام المأذون مقيد بالصواب ، كما الصواب ايضا مقيد بالإذن ، فهل يتأتى صواب من أهل النار حتى يؤتوا إذنا في الكلام؟! كلّا! وإن الهول هناك يكمن في الصمت الرهيب ، والكبت الرعيب ، الذي لا يتخلله كلام ، ولا يقطعه اعتذار ، فلا يؤذن لهم حتى في الاعتذار (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) إذ حجبوا عن رحمة الله وعن خطابه ، بعدا في بعد ، ظلمات بعضها فوق بعض!
وإنما لا ينطقون بما ينفعهم ، وقد ينطقون بما يضرهم ويخجلهم : (يا مالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنا رَبُّكَ قالَ إِنَّكُمْ ماكِثُونَ) (٤٣ : ٧٧) (وَلَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَسَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ) (٣٢ : ١٢) (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْها فَإِنْ عُدْنا فَإِنَّا ظالِمُونَ. قالَ اخْسَؤُا فِيها وَلا تُكَلِّمُونِ) (٢٣ : ١٠٨).
(هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَالْأَوَّلِينَ. فَإِنْ كانَ لَكُمْ كَيْدٌ فَكِيدُونِ. وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) :
__________________
(١) روضة الكافي عن الامام الصادق (ع) في تفسير الآية قال : ...