البحار الى البراري والقفار ، فلو لم تكن الأرض كفاتا لأصبحت للقارات كلها قاحلة يابسة.
ثم بقية الأحياء من حيوان وإنسان ، تعيش على طمأنينة تامة ، وتمشي على مناكبها ، فلولا جاذبية الأرض الكفات ، لانفلتت الى اعماق الأجواء ، ولولا كفات الحركات المنتظمة المعدّلة لاستحالت عليها الحياة في الحركات الراجفة ، ولكنها كفات ويا لها من بركات!
ومن ثمّ الأموات التي لا مسكة لها في قرارها على وجه الأرض ، فلولا كفات الأرض لا لانفلتت الى غيرها ، فيا لها من كفات كافية للحفاظ على الأحياء والأموات!
ومن أهم ما يحافظ على طمأنينة الأرض وما عليها ، لحدّ لا تحسّ حركاتها ، أنها تتحرك مع كرة الفضاء المحيطة بها فلا يحسّ حراكها ، كمن يقفز في طائرة ، فإنه يرجع الى مكانه الأول لأن الطائرة تطير بفضائها ، خلاف ما إذا لم تكن مسقفة ، إذ لا تطير بفضائها ، كذلك الأرض تطير بكرة الفضاء ، المدرّعة حولها ، فلذلك لا تبدو حركاتها لركابها.
هذا هو المعنى الشامل لكفات الأحياء والأموات ، وقد يشمل قبور الأموات وبيوت الأحياء دون اختصاص بهما ، فإنهما ليسا من ضمنيات جعل الأرض ، وإنما من فعل المخلوقين ، والآية في مقام الامتنان بما خلق الله ، لا بما فعل الناس (١).
__________________
(١) القمي : نظر أمير المؤمنين (ع) في رجوعه من صفين الى المقابر فقال : هذه كفات الأموات أي مساكنهم ، ثم نظر الى بيوت الكوفة فقال : هذه كفات الأحياء ثم تلا قوله : (أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ كِفاتاً ، أَحْياءً وَأَمْواتاً). وفي معاني الأخبار للصدوق مثله عن أبي عبد الله الصادق». (نور الثقلين ٥ : ٤٨٩) أقول وهذا من باب الجري والتطبيق لا التفسير ، وإنما بيانا كما كان يفهمه الناس في تلك الزمن ، ولقد فسر العلم كفات الأرض كما تصدقه اللغة ايضا.