(إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ. فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ. ثُمَّ نَظَرَ. ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ. ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ. فَقالَ إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ. إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ).
لقد اجتمعت اليه قريش ـ بما عرفوا من عناده لرسول الله (ص) وأنه أعقلهم وأقدرهم على معارضه القرآن ـ فقالوا : يا أبا عبد شمس ، ما هذا الذي يقول محمد؟ أشعر أم كهانة؟ أم خطب؟ فقال : دعوني اسمع كلامه ، فدنا من رسول الله (ص) فقال : يا محمد أنشدني من شعرك ، قال : ما هو شعر ، ولكنه كلام الله الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه ورسله ، فقال : اتل عليّ منه شيئا ، فقرأ عليه رسول الله (ص) حم السجدة فلما بلغ قوله (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صاعِقَةً مِثْلَ صاعِقَةِ عادٍ وَثَمُودَ) اقشعر الوليد وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته ومرّ إلى بيته ولم يرجع إلى قريش من ذلك ، فمشوا إلى أبي جهل فقالوا : يا أبا الحكم إن أبا عبد شمس صبأ إلى دين محمد ، والله ليصبأن قريش ، أما ترى لم يرجع إلينا ، فغدا أبو جهل إلى الوليد فقال : يا عم نكست رؤوسنا وفضحتنا وأشمتّ بنا عدونا وصبوت إلى دين محمد ، فقال : ما صبوت إلى دينه ولكني سمعت كلاما صعبا منه تقشعر الجلود ، ما هو من كلام الإنس ولا من كلام الجن ، إن له لحلاوة وان عليه لطلاوة وان أعلاه لمثمر وان أسفله لمغدق ، وانه يعلو وما يعلى! فقال له أبو جهل : أخطب هو؟ قال : لا ، إن الخطب كلام متصل وهذا كلام منثور لا يشبه بعضه بعضا ، قال : أفشعر هو؟ قال : لا ، أما إني لقد سمعت أشعار العرب بسيطها ومديدها ، ورملها ورجزها وما هو بشعر ، وهل رأيتموه يتعاطى شعرا قط.
ثم قال : تزعمون أن محمدا مجنون فهل رأيتموه يحنق؟ وتقولون انه كاهن فهل رأيتموه يحدث بما يتحدث به الكهنة؟ وتزعمون أنه كذاب فهل جربتم عليه شيئا من الكذب؟ فقالوا في كل ذلك : اللهم لا ، قالوا له فما هو؟.