تقول الروايات إن هذه الآيات نزلت بعد صلح الحديبية الذي جاء فيه :
(على ألا يأتيك منا أحد وإن كان على دينك إلا رددته إلينا) زعما من المشركين أنه يشمل النساء أيضا (١) ، أو إذا شملهن يرضى الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم بردّهن الى الكفار فيرجعن كافرات! فلما كان الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ والمسلمون معه ـ بأسفل الحديبية ، جاءته نساء مؤمنات يطلبن الانضمام إلى دار الإسلام في المدينة ، فجاءت قريش تطلب ردّهن ، زعم تنفيذ المعاهدة ، فنزلت الآيتان تمنعان ردّ المهاجرات المؤمنات بعد الامتحان والعلم بإيمانهن كيلا يكنّ منافقات فترجع هجرتهن بالخسار على دار الإسلام.
(فَامْتَحِنُوهُنَّ) : وكيف الامتحان؟ هل انه الإقرار بالشهادتين (٢)؟
وليس امتحانا ، فإنه محنة ولا محنة في لفظة القول ، وقد أقرّ بهما المنافقون ، ثم النص تفرض الإيمان موضوعا للهجرة قبل الامتحان (إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ) ، والشهادتان من أقل الإيمان! لحدّ قد لا تسمّيان إيمانا (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا).
أو انه التحقق من واقع الشهادتين في قلوبهن؟ فهذا حق ، ولكنه كيف
__________________
(١) عن الجبائي : لم يدخل في شرط صلح الحديبية إلا رد الرجال دون النساء ، ولم يجر للنساء ذكر ، وأن ام كلثوم بنت عتبة بن أبي معيط جاءت مسلمة مهاجرة من مكة فجاء أخواها الى المدينة وسالا رسول الله (ص) ردها عليهما ، فقال (ص) : إن الشرط بيننا في الرجال لا في النساء فلم يردها عليهما ، وفي الدر المنثور ٦ : ٢٠٦ ـ أخرج ابن سعد عن ابن شهاب ـ مثله ـ وفيه : جاء أخواها يريدان أن يخرجاها ويرداها إليهم ، فانزل الله ... أقول : وفي أحاديث عدة (ان الله نسخ العقد بالنسبة للنساء) ولكنها تخالف جوهر الإسلام الذي يفرض رعاية العهود مع من لم ينقضوها ، وان رد النساء المؤمنات خلاف المصالح الاسلامية جماعية وفردية ، فكيف يعاهدهم الرسول (ص) هكذا ، ويمضيها الله تعالى ثم ينقضها؟ رغم التصريح في الآية : (ذلِكُمْ حُكْمُ اللهِ ...) ، إذ تلمح بانه حكم ثابت على طول الخط.
(٢) خلافا لما في الدر المنثور ٦ : ٢٠٧ ـ أخرجه ابن مردويه عن ابن عباس قال : كان امتحانهن أن يشهدن أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله ..