تصدر الأوامر لعساكر العقول والأفكار ، والحواس والأعضاء ، وعلى حد المروي عن الإمام الصادق عليه السلام.
فهنا نجد بني النضير استعدوا بعدّة عديمة النظير ، ولكنما الله أتاهم من حيث لم يحتسبوا ، من حيث قلوبهم التي هي بيد الرحمان (وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ) أتاهم من دواخل حصون القلوب فكسرها ، لحدّ ساعدوا المؤمنين في خراب حصونهم في القوالب (يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) «بأيديهم» حيث كانوا يخربونها من دواخل حصونها لكيلا تقع في أيدي المؤمنين ، (وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ) إذ كانوا يهدمونها من خوارج حصونها لكي يخرجوهم ويحتلوها ، ولما كانوا هم السبب لهجوم المؤمنين وهدمهم بيوتهم بما نقضوا عهودهم ، صحت نسبة تهديم المؤمنين إلى اليهود أنفسهم (بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ).
وهذا لما وهنوا بما قذف في قلوبهم الرعب ، فسألوا الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم أن يجليهم ، ويكف عن دمائهم ، على أن لهم ما حملت الإبل من أموالهم إلا الأسلحة ، فأجابهم صلّى الله عليه وآله وسلّم فاحتملوا من أموالهم ما استقلت به آبالهم ، فكان الرجل منهم يهدم بيته عن خشبة بابه ، فيحمله على ظهر بعيره ، أو يخربه ويكسر الأبواب حتى لا يقع في أيدي المؤمنين. وبما وهنوا استطاع المسلمون أن يهدموا بيوتا وحصونا ، تناصرا من الجانبين في هدم البيوت مهما كانت الأهداف مختلفة ، ولكنما الواقع الذي حصل (هدم البيوت) كان لهم وهنا وللمسلمين قوة وعزا (فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ) : (ولا يصح الاعتبار إلا لأهل الصفا والبصيرة) (١).
ومن هذا الاعتبار ألا يعتمد الإنسان ـ أيا كان ـ على أي من معدات الحياة الدنيا ، فليؤمن بالله ، وليؤمنّ حياته ونجاته بحول الله وقوته.
إن الاحتلال والتخريب وعيث الفساد في الأرض ، إنها من صفات اليهود السيئة طول تاريخهم البئيس التعيس ، تأخذ مثالا منه نعيشه اليوم من سلطات
__________________
(١) في مصباح الشريعة عن الإمام الصادق (ع).