يقال : الحشر إخراج الجماعة عن مقرهم ، وإزعاجهم عنه الى الحرب ونحوها ، فما هو معنى إخراج بني النضير من ديارهم لأول الإخراج الى الحرب؟ فقد كان إخراجهم حيادا عن الحرب ، وتخلصا عن كيدهم وميدهم. ثم نرى عشرات من آيات الحشر لا تناسب لا الإخراج ، لا غاية الحرب :
(وَاتَّقُوا اللهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) (٢ : ٢٠٣) أفإخراجا لحرب الله؟! وإنما الحشر هو جمع خاص ، في الدنيا أو في الآخرة ، كل حسبه وبحسابه ، أللهم إلا إذا كان معدّى ب «على» : (وَحَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً) (٦ : ١١١) وليست الحرب والإضرار هنا أيضا إلا مدلولة ل «على» دون الحشر ، فالحشر أيا كان وأينما ، هو الجمع عن تفرق ، في الأبدان أو الأرواح أو فيهما ، في العقيدة أو العمل أو فيهما ، في الدنيا أو في الآخرة أو فيهما ، في الخير أو الشر أو فيهما ، الى خير أو إلى شر أو إليهما.
وحشر بني النضير هنا كان في الدنيا ، وعلّه أو أنه حشرهم وجمعهم مع إخوانهم المنافقين ، وتآلفهم وتعاهدهم ضد الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، فما أن حشروا حشرهم اللئيم ، إلا وأطلع الله نبيه على كيدهم وأخرجهم من ديارهم.
«لأول الحشر» : بداية الجمع المؤلّب على الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم ، وإن كان إخراجهم الأول من بلاد الإسلام أيضا ، ولكنه لا يغير لغة الحشر عن معناه ، وإن وافق واقعه هنا : أخرجهم لأول جمعهم اللئيم ، ولأول مرة في تاريخهم اللئيم ، ومن أول الحشر الأرض التي منها يحشرون (أرض اليهود) على حدّ المروي عن الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم إذ قال لهم : (اخرجوا ، قالوا : إلى أين؟ قال : إلى أرض المحشر) (١). ف «لأول الحشر» يحشر الحشرين ، وما أليقه وأنسبه جمعا بين
__________________
(١) الدر المنثور ٦ : ١٨٧ ـ أخرجه البزاز وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال : من شك ان المحشر بالشام فليقرأ هذه الآية ... قال لهم رسول الله (ص) ... وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن الحسن قال : لما أجلى رسول الله (ص) بني النضير قال : هذا أول الحشر وإنا على الأثر.