و (أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) تصبغ الحياة الإسلامية بهذه الصبغة المتكاملة المتكافلة لصالح المسلمين ، كطابع مبتكر ليس له مثيل ، حيث المشاركون في الشورى ليس في كل أمر كل من يشهد الشهادتين ، وإنما «العابد من أمتي» على حدّ تعبير الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لكي يشير فيما يستشار بما عرفه من عقلية إسلامية أم ماذا.
فالشورى طابع ذاتي للجماعة المؤمنة ، وسمة مميزة لهم ، وسبيل إيماني يسلكونها في حياتهم (وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَساءَتْ مَصِيراً) (٤ : ١١٥).
ليس يعني (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ) ألا أمر لهم ولا شغل إلّا شورى ، وإنما الأمر الذي فيه يتحيرون ، ويتخيرون لصوابه بعد قصور العقليات الفردية ولا سيما في الأمور الجماعية ، يتخيرونه (شُورى بَيْنَهُمْ) استخراجا لصالح الرأي من وقبة الآراء ، كما يستخرج العسل من وقبته فيصبح خالصا دون خليط ، كذلك الأمر في الشورى الصالحة.
والشورى في أمور المسلمين درجات ، شورى لصالح الجماعة المسلمة ، وللدولة الإسلامية ، وشورى لصالح الأفراد ، وتلك ممتازة عن هذه وأهم منها أهمية الجماعة على الفرد ، وفي القسمين لا شورى في الضروريات المتفق عليها ، وإنما فيما تختلف فيه الفتيا لاختلاف الاستنباطات عن أدلتها ، أحكاما شرعية أم سياسية ، أصلية أم في شاكلة تطبيقها ، فليس الشكل الذي تتم به الشورى مصبوبا في قوالب حديدية لا تتغير ، وإنما يترك للصورة الملائمة لكل زمان وبيئة ، كما النّظم الإسلامية كلها ليست أشكالا جامدة.
في الشوراءات الفردية إنما يستشار المؤتمن (١) الأخصّائي فيما يستشار ،
__________________
(١) في د ـ ادب ١١٤ عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال : المستشار مؤتمن ـ