الغضب ، والتغيظ أعلى من الغيظ ، فهو ثالوث من الغضب ، والزفير هو الاضطرام والاهتياج ، فذلك التغيظ والزفير إعلان من بعيد لاجتياح لهم قريب ، كأنها تتحامل عليهم لكي تجذبهم إليها لأقرب وقت ممكن.
فيا لهذا التشخيص الشخيص من علوّ في فن التحضير للحوادث المستقبلة كأنها حاضرة الآن ، ولا سيما بخلع الحياة وتجسيمها على ما ليس من شأنه الحياة ، من الأشياء والمعاني والحالات النفسية ، يرتفع بالصور والمشاهد إلى قمة الإعجاز في التعبير ، بما يبث فيها من عنصر الحياة.
فهنا سعير متسعرة متغيظة متزفرة ، تراهم وتتحدث معهم ، متميزة من النقمة عليهم وهم إليها سائرون ، مشهد رهيب رعيب يزلزل الأقدام وترهب القلوب! وطبعا هم ليسوا ليقدموا إليها بطبيعة الحال ، فإنما اجتذابا منها فإلقاء فيها.
(وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً)(١٣).
(مَكاناً ضَيِّقاً) في السعير عذابا فوق العذاب ، حيث السجن عذاب ، وضيقه عذاب فوق العذاب ، ومن ثم «مقرنين» بأيديهم وأرجلهم في السلاسل والأغلال (أُلْقُوا مِنْها) مقرّنين (مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ) ومع الشياطين «مقرنين» : «وقيضنا لهم قرنا». تقرّنا فيه من قرن العذاب وقرانه ما لا يحسب له حساب ... «والذي نفسي بيده إنهم ليستكرهون في النار كما يستكره الوتد في الحائط» (١).
(دَعَوْا هُنالِكَ ثُبُوراً) والثبور هي الويل الهلاك الفساد ، ف «دعوا
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٦٤ ـ اخرج ابن أبي حاتم عن يحيى بن أسيد ان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) سئل عن هذه الآية ، قال : ...