يثقل عليه الخطبة والجلوس في المسجد ، فكان إذا استأذن رجل من المسلمين قام المنافق إلى جنبه يستتر به حتى يخرج فأنزل الله (قَدْ يَعْلَمُ اللهُ ...)(١) وهكذا التسلل عن الجهاد أماذا ، ويا لحقارة الجبن والذل في هذه الحركة البئيسة التعيسة ، فان كان عين الرسول لا تراهم فالله يراهم!
وهذا تخلف عن أمر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) (فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) تحذير رهيب وإنذار رعيب على من يخالفون عن أمره : الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ، ولماذا «عن أمره» والأمر مقابل النهي ، ومخالفتهما محظور على سواء لا الأمر فقط ، والآية تجمعهما نهيا : لم يذهبوا ـ وأمرا : حتى يستأذنوه! ثم وهذا الأمر لا يتعدى إليه ب «عن» بل «يخالفون أمره»!
علّه لأن «أمره» هنا يعني أمره الجامع ، والمخالفة عن أمره الجامع هي الخروج عنه دون إذن ، وهو مخالفة النهي : الخروج ـ والأمر : وجوب الاستئذان ، وليس مخالفة كل أمره تخلّف فتنة وعذابا أليما ، وأنما أمره الجامع لمصالح المسلمين ، فكلما كان الآمر أعلى محتدا ، والأمر أعلى مصلحة ملزمة ، كان التخلف عنه أشد فتنة وعذابا أليما ، فتنة تضطرب فيها المقاييس وتختل الموازين وينتكص النظام فيختلط الحق بالباطل والطيب بالخبيث والشاغل بالعاطل ، وتفسد امور الجماعة وحياتها ، فهي فتنة شقاء للمجموعة حيث التخلف عن أمر جامع يضر بالمجموعة.
__________________
(١) الدر المنثور ٥ : ٦١ واخرج ابو داود في مراسيله عن مقاتل قال : كان لا يخرج احد لرعاف او احداث حتى يستأذن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشير إليه بإصبعه التي تلي الإبهام فيأذن له النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يشير إليه بيده ، وكان من المنافقين من يثقل عليه ...