كهولته إلا هذه المعرفة لكيانه الرسالي والذائدة عن امه الطاهرة؟ ان تكليمه الرسالي بداية وهو في المهد ـ ومن ثم منذ الكهولة حتى صعوده (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ) (٣ : ٤٦) (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً ..) (٥ ١١٠).
فقد كان مؤيدا بروح القدس إذ يكلم الناس في المهد وكهلا ، ولم يقل من المهد الى الكهولة ، وانما (فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً ..) مما يختص تكليمه في الحالين دون ما بينهما ، فتكليمه في المهد يكرس أنباء رسالته كهلا ويذود عن امه وقد سئل الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلم) «فما شأنك لم تتكلم بالحكمة حين خرجت من بطن أمك كما تكلم عيسى بن مريم على زعمك وقد كنت نبيا قبل ذلك؟ فقال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) : إنه ليس أمري كأمر عيسى بن مريم ان عيسى بن مريم خلقه الله عز وجل من أم ليس له أب كما خلق آدم من غير أب ولا أم ولو ان عيسى حين خرج من امه لم ينطق بالحكمة لم يكن لامه عذر عند الناس وقد أتت به من غير أب وكانوا يأخذونها كما يؤخذ مثلها من المحصنات فجعل الله عز وجل منطقه عذرا لأمه» (١).
__________________
(١) نور الثقلين ٣ : ٣٣٦ ح ٧٦ في كتاب علل الشرايع عن وهب اليماني قال : ان يهوديا سأل النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) فقال : يا محمد! كنت في ام الكتاب نبيا قبل ان يخلق آدم (عليه السلام)؟ قال : نعم ـ قال : وهؤلاء أصحابك المؤمنون مثبتون معك قبل ان يخلقوا؟ قال : نعم ـ قال : فما شأنك ..» أقول يعني به ثبوت النبوة في علم الله وفي الايمان به من النبيين اجمع قبل ان يخلق ويبعث ، فعلى هذه السابقة الشريفة المنقطعة النظير فما شأنك .. وقد بحثنا عن نبوءته قبل رسالته في «الضحى» نبوءة ونبوة غير ظاهرة الرسالة ، لم يؤمر بها قبل الأربعين كما لم يوح اليه القرآن قبله.