النبوة السامية كسائر النبوات متدرجة من العبودية (إِنِّي عَبْدُ اللهِ) الى نبوءة وحي ثم رسالة : (آتانِيَ الْكِتابَ) ثم نبوّة (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) فبين النبوة والنبوة متوسط الرسالة ، وكل من هذه الرحلات درجات حسب درجات النبوات.
ثم (وَجَعَلَنِي نَبِيًّا) تحصر كيانه ككل في النبوة رفضا لما سواها من الوهية او بنوة حقيقية او تشريفية اماهيه مما يهرفه الخارفون حول السيد المسيح (عليه السلام) من وراثة الالوهية او النبوة!
(وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ) بركة شاملة تكرس كيانه ككل ، تسلب عن ساحته كل المثالب والمآلب التي اختلقته أيدي الدس والتجديف ، ف (أَيْنَ ما كُنْتُ) تضرب إلى أعماق الماضي في أصلاب شامخة وأرحام مطهرة حيث تنقل من كل الى اخرى والى امه الطاهرة العذراء ، ما يطهر ساحته في ماضيه وبأحرى حاله ومستقبله كما يشملها مثلث السلام ، فلم تكن في هذا البين مقاربة محرمة على أية حال ، ولا مقارفة لها في كل حلّ وترحال ومن مستقبله المجيد.
إنه لم يخلد بخلد مريم الطاهرة إلا رجاء الذود عن ساحة هذه الولادة ، فإذا هي تجد وليدها : «جعلني نفاعا للناس أين اتجهت» (١) ومعلما ومؤدبا (٢).
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٢٧٠ ـ اخرج الاسماعيلي في معجمه وابو نعيم في الحلية وابن لال في مكارم الأخلاق وابن مردويه وابن النجار في تاريخه عن أبي هريرة قال قال النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) قول عيسى (عليه السلام) وجعلني مباركا أينما كنت قال : جعلني .. وروى مثله في معاني الاخبار باسناده الى عبد الله بن جبلة عن رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : نفاعا ، وهذا تفسير بالمصداق الجلي.
(٢). المصدر اخرج ابن عدي وابن عساكر عن ابن مسعود عن النبي (صلّى الله عليه وآله وسلم) في الآية ...