وترى (خَلَقْتُكَ مِنْ قَبْلُ) تعني خلق زكريا من أبويه الصالحين للإيلاد؟ فهو أهون من خلق يحيى من أبوين عاقرين ولا اولوية في هذا القياس! ام يعني خلق الإنسان الاول دون أبوين ، المنتهي خلق زكريا إليه؟ والصحيح الفصيح هو الإفصاح عنه ب «وقد خلقت آدم ولم يك شيئا»!.
وقد يلمح (وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) الى خلق المادة الأولية ـ وهو منها ـ لا من شيء ، وهو اولوية قاطعة بالنسبة لكل خارقة ، حيث الخلق من شيء أهون من الخلق لا من شيء وينتهي خلق كل شيء الى «لا من شيء».
أو أنه ليس قياسا وإنما تسوية في الخلق الهيّن بين خلقه من صالحين وبين خلق يحيى منهما بموانعه ف (هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ) كما (قَدْ خَلَقْتُكَ ..) وكان هينا ، دونما صعوبة عليّ في خارقة العادة ، وهذا هو الواقع في حساب الله ان ليس في خلقه على مختلف المراتب سهولة وأسهل وصعوبة وأصعب ، وانما ذلك في حسابنا وكما يحدثنا بهذا الحساب : (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) (٣٠ : ٢٧) فالصعب يعيي ولكن الله لا يعيى : (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللهَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ وَلَمْ يَعْيَ بِخَلْقِهِنَّ بِقادِرٍ عَلى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتى) (٤٦ : ٣٣)! وقد يعنيهما (وَلَمْ تَكُ شَيْئاً) جمعا بين برهاني قياس المساوات والاولوية!
(قالَ رَبِّ اجْعَلْ لِي آيَةً قالَ آيَتُكَ أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَ لَيالٍ سَوِيًّا)(١٠).
(... أَلَّا تُكَلِّمَ النَّاسَ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلَّا رَمْزاً وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً وَسَبِّحْ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكارِ) (٣ : ٤١).
ترى وكيف يطلب آية وهو مطمئن ببشارة الله وقد طمأنه ثانيا وعد الله؟ .. انه لم يطلب آية لتدله على صدق الوعد! وما هي الصلة بين آية خارقة وبين صدق الوعد؟ ونفس الوحي آية هي أقوى من كل آية! وسائر الآيات