المكان ، ولو كرسوا طاقاتهم كلها (لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ) أفليس إذا الروح القرآن من امر الله لا سواه (١).
وقد تلمح الآية بامكانية اجتماع الانس والجن ، وإن أحالت ان يأتوا بنتيجة الاجتماع بمثله ، فلو استحال الاجتماع لم يكن هناك تحدّ ، وإنما تحيل ما بالإمكان توفر وسائله لا المستحيل بداية ونهاية!
وترى هذا الانس عرفنا عيّهم عن الإتيان بمثله حتى الآن ، فكيف لنا التعرف الى عي الجن في هكذا إتيان؟.
نقول : لأن الإنسان مخلوق في احسن تقويم فلا احسن منه أيا كان ، فعدم إتيانه بمثله دليل على عدم الإتيان ممن في مستواه ، فضلا عن الجان الذي هو ادنى من الإنسان! ثم لو كان للجن مثله لعارضوا القرآن بواسطة إخوانهم من الانس ولمّا ولن! ثم والحكمة الهداية الإلهية قاضية ان لو كان بإمكان الجن الإتيان بمثله لوجب إظهاره للإنسان كما للجان حتى يتبين التدجيل في هذا القيل ، ولمّا ولن!
ان معجزة القرآن كافية لكل انس وجان في اي حقل من الحقول واي عقل من العقول لمن القى السمع وهو شهيد (أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. قُلْ كَفى بِاللهِ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ شَهِيداً يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالَّذِينَ آمَنُوا بِالْباطِلِ وَكَفَرُوا بِاللهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ) (٢٩ : ٥٢) والشهادة الإلهية ظاهرة في
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ٣٠٣ ـ اخرج ابن إسحاق وابن جريرة ابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال أتى رسول الله (ص) محمود بن سيحان ونعيمان بن اصماد ومجزئ بن عمرو سلام بن مشكم فقالوا : يا محمد! هذا الذي جئت به حق من عند الله فانا لا نراه متناسقا كما تتناسق التوراة فقال لهم : اما والله لتعرفون انه من عند الله قالوا : انا نجيئك بمثل ما تأتي به فانزل الله (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ) الآية»