القدير الرحيم ، على ان الأفواه مختوم عليها فلا كلام أيا كان من الألسن في الأفواه ، وانما الشاهد عليه هو لسانه المنفصل المخرج ، ان تنقل الألفاظ عن اللسان الى غير اللسان فيشهد بما قال : كمسجلات سجلت فيها ما قالت شهادة عليهم كما تشهد الايدي والأرجل شهادات عينية عادلة : (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. حَتَّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. وَقالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ... وَما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَلا أَبْصارُكُمْ وَلا جُلُودُكُمْ وَلكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ. وَذلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْداكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخاسِرِينَ) (٤١ : ٢٣).
فالجلود تعم جوارح الإنسان بما فيها سمع الأذن وبصر العين ، كما وقد تشمل كل جسم الإنسان حيث هو جلد لروحه ، والسمع هو سمع القلب كما البصر بصره وإن كانا يشملان سمع الأذن وبصر العين ، ومن الجلود الألسن كما هما منها ، فالإنسان بكله ، بروحه وجسمه كتاب لمثلث الأعمال ، شاهدة عليه يوم يقوم الاشهاد.
(مَنِ اهْتَدى فَإِنَّما يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّما يَضِلُّ عَلَيْها وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى وَما كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)(١٥).
ضوابط ثلاث تضبطها هذه الآية لا محيد عنها ولا مناص :
١ ـ إن الاهتداء والضلالة تنحصران نفعا وضرا بأصحابهما وتنحسران عن سواهما ، ف (كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ) (٧٤ : ٣٨) دون رهانة بما لم تكسب او كسبت غيرها ، فالعمل الطائر ـ رغم زعم الجاهلية ـ كما لا يطير عن عامله الى الفناء ، كذلك لا يطير عنه بتبعته الى سواه ، وإنما التبعة الفردية تربط كل انسان بنفسه : (قُلْ يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الْحَقُ