يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) (٣ : ٢١).
ومنها ما حرمها مبدئيا فلا تستحق قتلا إلا بالحق ، وهذا الحق الذي يبيح قتل النفس محدّد لا غموض فيه ، وليس متروكا للآراء وتأثرات الأهواء ، وهذه هي المعنيّة ب (الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ).
ومنها غير المحرمة مبدئيا كمن يعيش صدا عن سبيل الله ، تكذيبا بآيات الله ، حربا لدين الله ، فهذه لا حرمة لها عند الله ، وهي المعنيّة بالنفس التي لم يحرمها الله.
ولا نرى النهي عن قتل النفس في سائر القرآن إلا موصوفة ب (الَّتِي حَرَّمَ اللهُ) كما هنا وفي الانعام (١٥١) بصيغة واحدة : (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ) وفي الفرقان : (وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالْحَقِّ)(٦٨) ولكن في النساء : (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً)(٢٩) حيث المخاطبون هم المسلمون المحرمة أنفسهم عند الله. وتتميز آية الأسرى بذيلها (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً ...).
فإذا تبين حقّ على النفس التي حرم الله ـ يحكم بقتلها ـ فقتلا ، وإذا لم يتبين فلا تقتلوها حيث الحق غير ثابت ، وإذا تبين في ميزان الله أنه لم يحرّمها فقتلا ، وإذا ترددنا في حرمتها او حلها في أصلها ، هل هي صادة عن سبيل الله ، مكذبة بآيات الله أم ماذا؟ فلا يحل قتلها ، وان كان النهي في آياته لا يشملها ، حيث القتل كسائر التجاوز ماليا ام عرضيا ام ماذا بحاجة الى تجويز ، فالأصل في النفوس والأموال والأعراض حرمتها وعدم حل التجاوز عليها إلا بدليل قاطع قاصع لا مردّ له ولا حول عنه.
إنه حسب التكوين ودليل العقل حقّ لكل نفس أن تحيى مبدئيا حيث أحياها الله ، فلا يحق القضاء عليها إلا بقضاء الله ، وفيما نشك فما علينا وما لنا أن نميت ما أحياه الله.