بذلك قبل صلبه فلا يموت مشركا ، وحين يؤمن فلا يهمه الصلب أم يبقى حيا ، وكذا الذي ينجو يحظوا بالإيمان فلا يعد ساقي ربه ، ويذكره عنده علّه ينجو من تهمته.
وعلى الجملة فداعية الحق عليه في كل مجال أن يتذرع لدعوته ذريعة ، وهي الآن تأويل رؤيا صاحبي السجن ، فلما يؤولها لهما وهما فيه بحاجة إليه مدقعة ، ولتكن الفترة بين قالتهم وتأويله مجالة مناسبة لدعوته بأدائه ببيان كيانه في العلم ، ومن هوامشه تأويل الطعام فضلا عن الرؤيا ، هنا يأخذ كلامه مجامع الأسماع والقلوب ، وهنا يفعل ما يشاء من الهدى مقلب القلوب.
فليس السجن لأصحاب الدعوات الرسالية ومن يحملونها من سواهم ، إنه ليس سجنا لدعواتهم ، بل تعلو فيه نبراتها ، وتشعّ أكثر وأكثر من خارج السجن أثراتها ، حيث السجن للأبرياء ، وحتى سواهم ، هو جو الانقطاع إلى الله عن كل ما سوى الله.
فعبثا يفكر الطغاة ويحاولون ان سجن الأبدان للدعات هو سجن للدعوات!
وهنالك ليوسف مربع من الإنباءات الغيبية ، ١ تأويل كل طعام قبل أن يأتيهما في مثلث الزمان ٢ : اين مصدره وأنى ، ٣ وكيف هو لمّا يأتي وماذا اثره؟ ، ٤ وما يؤول اليه بالمآل ، حيث التأويل هو المرجع بداية او نهاية ام في الحال ، فأنا أنبئكم ما سيأتيكم من طعام قبل إتيانه ، وماذا أثره ، هل يضر او ينفع ، هل هو سم (١) قاتل يقطع ام غذاء ينفع ،
__________________
(١) الدر المنثور ٤ : ١٩ ـ اخرج ابو عبيد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن جريج في قوله : (لا يَأْتِيكُما طَعامٌ ..) قال : كره العبارة لهما فأجابهما بغير جوابهما ـ