أم أمرها أن تستغفر العزيز نفسه لذنبها؟ وماذا يفيده وكيدها عظيم! ولو كان في الحق ذنبا عندهما لكانت هي البادئة في استغفاره قبل أمره!.
علّه بمناسبة الموقف هو طلب الغفر الستر على ذنبها ، وهو ما يستوخم عقباه ، أن تحاول في ستره والحفاظ عليه كما تستطيع حتى لا يذيع ، أم بمناسبة (إِنَّكِ كُنْتِ مِنَ الْخاطِئِينَ) يطلب إليها أن تصلح حالها فلا تراوده؟ وعلّهما معا معنيّان ، وفي مناسبة الموقف هما سيان.
ولماذا «الخاطئين» بدل «الخاطئات» علّة لتعميم أكثر وتعمية لخطائها ضمن خطايا الآخرين رجالا ونساء ، أم إنهم الطبقة الارستقراطية من رجال البلاط ونساءه حيث تعمهما هذه الأخطاء ، ثم وفي «الخاطئين» تلويحة أخرى أنها كانت مستمرة في مراودتها في سترة ملّحة ، حيث كان يتحسسها منها ولا يصارحها بشيء إلّا هذه المرة المريرة المفاجأة ، كما وقالة النسوة : (امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ) بالصيغة المضارعة دون : «راودتها» تدل على ذلك الاستمرار المكّار الجبار ، فهو ضمن ما يحكم عليها بالخطاء يحكم لها أنها ليست بدعا في الأخطاء التي هي طبيعة الجو في البلاط ، ولذلك نراها تصرح بمراودتها أمام نسوة في المدنية (الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ ..) دونما تخوف من ذياع الخبر وضياعها في جوّ البلاط ، فانما كانت تتستر وتتصبر تفتشا عن مجال لائق مقبول لمراودتها حتى لا يقال (تُراوِدُ فَتاها) : الرق ـ مما يدل على خساستها ، متنزلة عن خصاصتها وعلياها!.
وهنا يسدل الستار على مشهد المراودة ، ولكنه لم يؤنّبها أو يعاقبها ، أم ـ ولأقل تقدير ـ يفصل بينهما ، فتمضي الأمور في طريقها ، مما يدل على نقصان الغيرة او زوالها من جو البلاط ، وهكذا تمضي الأمور في القصور ، في كل تقصير وقصور ، ذلك وإلى أن تسرّبت القصة إلى نسوة في المدينة :