وشهادته مشهودة في قميصه ، فطفولته وجّهت وجه العزيز إليه حائرا ذعرا ليسمع مقالته ، وكونه من أهلها لا من أهله أوجب للحجة وأوثق للبراءة وأنفى للشبهة ، وقدّ القميص من الدبر جعله يقطع دون ريب بكيدها وبرائته ، لا سيما وبدأه باحتمال كذب يوسف (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ) كسياسة حيادية في الشهادة تجعل السامع لها تائقا إليها ، ناظرا فيها ، مرتاحا بها ، ثم عطفا إلى احتمال ثان هو المبان في المشهود له : (وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ).
وبالنتيجة نظر العزيز إلى القميص قبلا ودبرا ليحظو حظوة من الشهادة (فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)(٢٨) أفكان يجرأ شاهد بالغ من أهلها ان يشهد لغير صالحها وفيها هتفه ام سقوطه عن أهليته؟!.
ولم تكن هذه الشهادة لتحتمل خلاف الواقع ، أن تحمّل على الموقف تعبدا ام تقبلا عرفيا ، وإنما هي شهادة بمشهود حاضر غاب عن الناظر قضية الموقف الخطير الرهيب ، الذاهب بلب العزيز وبصيرته فضلا عن بصره ورؤيته ، فهي شهادة مصحوبة بواقع المشهود وبسند الشهادة ، والشاهد طفل ليس ليتكلم كلام الطفولة وهو يشهد شهادة الرجولة البالغة ، ثم هو من أهلها ، مقدما لها ما يحتمل به نجاحها ، فلم يكن بد للعزيز إلّا حكمه القاطع في عزيزته : (إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ) إدخالا لها في جمعهن تخفيفا عنها أنها ليست بدعا في مكرها (إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)!
__________________
ـ الله عز وجل يوسف ان قال للملك سل هذا الصبي في المهد فانه سيشهد انها راودتني عن نفسي .. فانطق الله الصبي في المهد ليوسف ..