كَثِيرٍ) في النشأتين ولا سيما في الأولى لأنها ليست بدار جزاء ، وفي الخير مزيد من فضل الله ولا أقل من عشرة : (مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَمَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلَّا مِثْلَها) (٦ : ١٦٠).
ومهما اختصت آية الأنفال بغيار الأنفس إلى الشر. (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ) (٥٣) فآيتنا هذه تعمه وغيارها إلى خير مهما تذيلت بتهديد الشر.
فإذا كان ما بأنفس قوم شرا فغيروا إلى خير غير الله شرهم إلى خير ، وهذه قضية رحمته اللازمة اللازبة حيث (كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ) وتتبناه أبواب الشفاعة والغفران وتكفير سيئات.
وإذا كان ما بأنفس قوم خيرا ـ كما هو خير بما جعل الله ـ أما زادوا بما وفق الله ـ ثم غيروه إلى شر غيّر الله خيرهم إلى شر واقل منه شرا حيث (يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ) ثم (فَلا مَرَدَّ لَهُ وَما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ)! وليست إرادة السوء من الله لأي قوم إلّا بعد ما يغيروا ما بأنفسهم من خير : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللهِ كُفْراً وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ. جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَبِئْسَ الْقَرارُ) (١٤ : ٢٨)(١).
هذه ضابطة سارية المفعول بالنسبة لكل قوم ، وترى الأفراد تشملهم كأفراد ، أم ـ فقط ـ ضمن الأقوام؟ إنها سارية في الأفراد في الناحية الروحية دونما استثناء ، وأما المادية ففي ضمن الأقوام : (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ وَلكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْناهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ) (٧ : ٩٦).
__________________
(١) نور الثقلين ٢ : ٤٨٧ ح ٢٥ في كتاب معاني الاخبار باسناده الى أبي خالد الكابلي قال : سمعت زين العابدين (عليه السلام) يقول : الذنوب التي تغير النعم البغي على الناس والزوال عن العادة في الخير واصطناع المعروف ، وكفران النعم وترك الشكر.