دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ)(٧٦).
بدأة بديعة تذود عنه كل تهمة وريبة ، فبدءه بوعاء أخيه مريبة قريبة ، واستخراجه منه بين أوعيتهم مريبة بعيدة ، ولكن استخراجه منه بعد أوعيتهم كلهم تطوي كل ريبة وتزيل كل شبهة وتهمة ، أن هناك مؤامرة وحيلة مدروسة.
(كَذلِكَ كِدْنا لِيُوسُفَ) فكل ما حصل فيما هنالك من مكيدة وتورية كان من كيد الله ليوسف ، ما لولاه ل (ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ) اللهم إلّا بدينه أو دينهم ، وقد حكموا «هو جزاءه» فليأخذه الصديق إذ كانوا هم كاذبين ، وهو في الحق جزاء كذبهم ، وحسب الظاهر جزاء من وجد في رحله.
(ما كانَ لِيَأْخُذَ ... إِلَّا أَنْ يَشاءَ اللهُ) وقد شاء الله وفق شرعته وارادته في مكيدته ، كيد دون اي ضعف او كذب او ظلم ، بل هو شطر من جزاءهم عن مربع ظلمهم في يوسف ، فقد (مَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) و (دِينِ الْمَلِكِ) كما سلف دليل لا مردّ له أن ذلك الكيد كان خفيا عمن سوى الصديق.
وانه لكيد يرفع من كيان يوسف ويضع من كيان إخوته (نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ) مهما تظافرت عساكر خفضته وضعته ، (وَاللهُ غالِبٌ عَلى أَمْرِهِ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ).
وترى وما هي الصلة بين (وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ) وما قبلها؟ علّها لأن الإخوة كانوا في هذه الرحلة كلهم عيونا مفتّحة حفاظا على أخيهم ليأتنّ به أباهم ، حاسبين لكل صغيرة وكبيرة حسابها ، ولكن الصديق بوحدته فوقهم في علم ، ما لم يكونوا له حاسبين ، ثم وهذه ضابطة سارية في حقل