وسواها (إِلَّا ما رَحِمَ رَبِّي) وقد رحمني بما أراني برهانه : (وَهَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ) وصرف عني كيدهن : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ) (إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) يغفر برحمته ويستر زلات المخلصين والمخلصين ، فلو لا غفره بما أراه برهانه وصرف عنه كيدهن لهمّ بها وصبا إليهن وكان من الجاهلين ، وذلك غفر قبل حلول العصيان ، وهكذا كلّ غفر للمعصومين ، كما هنالك غفر بعد حلوله كما لغير المعصومين.
فإذا كان يوسف الصديق لا يبرئ نفسه وهو من المخلصين ، فيربط برائته برحمة ربه ، فبأحرى لمن دونه من الصالحين ، فلو لا رحمة الرب لكنا من المهلكين (وَلَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ) (٣٧ : ٥٧)!
ف «النفس» هنا هي الشهوانية وهي بطبعها (لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ) إلّا برادع من نفس مؤمنة مطمئنة بالله ، تكرّس كافة طاقاتها سياجا صارما على أمر السوء وفعله ، مستعينة بالله وحتى النفس المعصومة ، حيث العصمة الإلهية وتثبيته يحولان بين النفس وشهواتها (وَلَوْ لا أَنْ ثَبَّتْناكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً).
وصحيح أن النفس لا يصح ان تأمر بسوء ، فإنما تشتهي السوء ، ولكن الإنسان لما كان بطبعه يتبع دواعيها إلى الشهوات ، وينقاد بأزمتها إلى المقبحات كانت بمنزلة الآمر المطاع ، والإنسان بمنزلة السامع المطيع ، والمبالغة في «لأمارة» مؤكدة باللام تحاكي صفتها بكثرة الدفع إلى المهاوي والقود إلى المغاوي.
ثم وهذه الأمارة بالسوء ـ بطبيعة الحال ـ تتدرج على ضوء المحاولة البشرية والرحمة الإلهية من أسفل سافلين إلى أعلى عليين ، إلى لوّامة بدرجاتها ، ومن ثم مطمئنة بدرجاتها ، مخلصة لا تخلو من أخطاء اللمم ،