وجه يفيد أنّه حقّ واجب لله تعالى في رقاب الناس وتعميم الحكم أولاً وتخصيصه فانّه كإيضاح بعد إبهام وتثنيته تكرير للمراد وتسمية ترك الحجّ كفراً من حيث أنّه فعل الكفرة وذلك الاستغناء في هذا الموضع ممّا يدلّ على المقت والخذلان وقوله عَنِ الْعالَمِينَ بدل عنه لما فيه من مبالغة التعميم والدلالة على الاستغناء عنه بالبرهان والإشعار بعظم السّخط لأنّه تكليف شاقّ جامع بين كسر النفس واتعاب البدن وصرف المال والتجرد عن الشهوات والإقبال على الله تعالى.
(٩٨) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآياتِ اللهِ أي بآياته السمعية والعقليّة الدالة على صدق محمّد صلّى الله عليه وآله وسلم فيما يدعيه من وجوب الحجّ وغيره وتخصيص أهل الكتاب بالخطاب دليل على أن كفرهم أقبح وانهم وإن زعموا أنهم مؤمنون بالتوراة والإنجيل فهم كافرون بهما وَاللهُ شَهِيدٌ عَلى ما تَعْمَلُونَ والحال أنّه شهيد مطّلع على أعمالكم فيجازيكم عليها لا ينفعكم التحريف والاستستار (١).
(٩٩) قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ مَنْ آمَنَ كرّر الخطاب والاستفهام مبالغة في التقريع ونفي العذر لهم واشعاراً بأن كل واحد من الأمرين مستقبح في نفسه مستقلّ باستجلاب العقاب وسبيل الله دينه الحق المأمور بسلوكه وهو الإِسلام ، قيل كانوا يفتنون المؤمنين ويحرّشون (٢) بينهم حتّى أتوا الأوس والخزرج فذكّروهم ما بينهم في الجاهلية من التعادي والتحارب ليعودوا لمثله ويحتالون لصدّهم عنه تَبْغُونَها عِوَجاً طالبين لها اعوجاجاً بأن تلبّسوا على الناس وتوهّمُوا أن فيه عوجاً من الحق بمنع النسخ وتغيير صفة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم ونحوهما أو بأن يحرّشوا بين المؤمنين ليختلف كلمتهم ويختل أمر دينهم وَأَنْتُمْ شُهَداءُ أنها سبيل الله تعالى والصدّ عنها ضلال وإضلال أو أنتم عدول عند أهل ملّتكم يثقون بأقوالكم ويستشهدونكم في القضايا وَمَا اللهُ
__________________
(١) استستر : استتر (ق)
(٢) التحريش الإغراء بين القوم والكلاب وتهييج بعضها على بعض (م)