أمضينا ٣٥ يوما للمجيء من حائل إلى النجف وهي مسافة يمكن اجتيازها عادة في ١٢ يوما بسهولة.
توقفت بضعة أيام في النجف وفي كربلاء سعيدا بالتلذذ مجددا بملذات حضارة أكثر تقدما من حضارة سكان الصحراء. وإذ استشرى الطاعون في النجف اضطررت إلى قضاء ١٥ يوما من الحجر الصحي في مسيّب قبل الدخول إلى بغداد التي لم أصل إليها إلا في ١٨ آذار. وقد خصني السيد بيرتيه قنصلنا ، باستقبال في منتهى الودّ واللطافة وبضيافة شرقية صرف. وسأحفظ له دائما أحر امتناني.
كلمة أخيرة قبل أن أختم المسار من حائل إلى العراق. هناك ثلاث طرق تتبع عادة ويسميها العرب كالآتي :
درب سماوة وهي تنطلق من هذه البلدة على ضفاف الفرات وتتجه إلى الجبل مرورا بلينة.
درب الغزال التي يمكن أن تنطلق من أي نقطة في بلاد ما بين النهرين ثم تنحرف قليلا إلى الغرب وتذهب إلى الجنوب مرورا بآبار الشبيكة في الغرب وباحتراق النفود في جزء كبير. ولا يمكن ان يسلك هذه الطريق إلا رجال يمتطون أفضل المطايا. وهي على الأرجح الطريق التي تبعها والين عام ١٨٤٨.
درب زبيدة أو الدرب السلطاني التي تجري بين الدربين السابقتين. هي الدرب التي تبعتها والتي وصفتها لتوّي.
ولكننا نفهم أن هذه الطريق ، على الرغم من فخامة أحواضها ، لا يمكن سلوكها في كل وقت لان أمطار الشتاء ليست منتظمة. وقد روى لي جميع العرب أنه قبل شتاء ١٨٨٠ ـ ١٨٨١ ، مرت ثلاثة مواسم شتاء دون أمطار ولم يحظ خلالها أي من الأحواض بماء. وقبلها مرت تسعة مواسم شتاء جافة أخرى. وفي ثلاث عشرة سنة لم تكن هذه الطريق سالكة إلا ثلاث سنوات. وقافلة الحجاج التي بنيت من أجلها تستخدمها بنسبة أقل بكثير إذ يصادف الحج عموما في شهر حار أكثر منه في شهر بارد.
وقد أدرك بناة درب زبيدة هذا العائق وحاولوا تداركه بإنشاء آبار إلى جانب أحواضهم الضخمة. وقد رأينا الأعمال الجميلة التي نفذت في محطتي الطلحات والعقبة وكم حرصوا على إيجاد الماء. ولكن الله لم ييسر لهم العثور عليه.
أورد الآن بعض المعلومات حول أكثر الطرق استعمالا وهي درب سماوة التي تمر بلينة