الثانية : أن يكون الذكر بالقلب مع عدم إستقراره فيه ، ولا يتوجّه إلى غيره إلّا بالتكلّف والإجتهاد.
الثالثة : أن يكون الذكر بالقلب مع استقراره فيه بحيث لا يتوجّه القلب إلى غيره إلّا بالتكلّف.
الرابعة : أن يكون الذكر بالقلب مع إستقراره فيه وإستيلائه عليه بحيث لا يشغل عنه أصلاً ، وهذه هي مرتبة المحبّة ، والذاكر في هذه المرتبة قد يبلغ مقام الفناء في الله ، بحيث يغفل عن نفسه وعن غيرها حتّى عن الذكر فلا يجد فى نفسه إلّا المذكور ، وهذا من أعظم علامات المحبّة.
بيد أن من أحبّ أحداً ذكره دائماً أو غالباً ، فالذاكر حينئذٍ يحبّ الله حبّاً شديداً ، ويغفل عن جميع ما سواه حتّى نفسه ، إذ الحبّ المفرط يمنع من مشاهدة غير المحبوب.
وهذا المقام مقام الفناء في الله والواصل إلى هذا المقام لا يرى في الوجود إلّا الله سبحانه وتعالى.
ومن هنا قال الإمام زين العابدين وسيّد الساجدين علي بن الحسين عليهما السلام في كتابه الصحيفة السجاديّة : واشغل قلوبنا بذكرك عن كلّ ذكر (١).
فإنّه طلب لأكمل أفراده ، وأرفع مراتبه التي هي مرتبة المحبّة ومقام الفناء في الله.
* * *
__________________
١ ـ الصحيفة السجاديّة : ص ٧٢ ، الدعاء الحادي عشر.