هذا ، ولا يغيب عن الفكر أن هناك نسخا أخرى من مؤلف ابن الخطيب «ريحانة الكتاب» فى حوزة المكتبات الخاصة ، جلها فى المغرب الاقصى ، ومعظمها قد انتظم «معيار الاختيار» ، بيد أنه لا يتسنى للباحث أن يستدل ويطلع عليها فى سهولة ويسر لسبب أو لآخر ، فمن ذلك على سبيل المثال النسخة الجيدة التى بمكتبه صديقى الاستاذ عبد الكبير الفهرى الفاسى بالرباط ، وقد تصفحت سفرا خاصا ب «معيار الاختيار» فوجدتها نسخة قريبة الشبه خطا ونسخا من النسخة الاولى الخاصة بالمكتبة الكتانية التى أشرنا اليها فى ثنايا الحديث عن نسخ الخزانة العامة بالرباط.
ونرى ـ بهذه المناسبة ـ أن نذكر أن مؤرخ المملكة المغربية الاستاذ عبد الوهاب بن منصور قد أخبرنا فى صدد «معيار الاختيار» بأنه سبق أن رأى نسخة تكاد تكون فريدة منه لدى أحد شيوخ مدينة «تلمسان» منذ مدة طويلة ، وترجع أهميتها لكون هذه النسخة قد اشتملت على وصف تلك المدينة وهو ما تنفرد به من دون النسخ الاخرى الخالية منها تماما ، ويعزز رواية الاستاذ عبد الوهاب وجود وصف مدينة تلمسان فى كتاب «نفح الطيب» (ج ٩ ص ٣٤٠ ـ ٣٤١) وهو لابن الخطيب كما اثبته المقرى ، والاسلوب فى الوصف على نمط الاسلوب الذي انتهجه المؤلف فى «معيار الاختيار» من بداية بالاستفسار : «قلت فمدينة تلمسان؟ فاجابة من الراوى : قال : «تلمسان مدينة جمعت بين الصحراء والريف ، ووضعت فى موضع شريف .. الخ» ، ثم يعقب وصفه للمدينة بما عودنا من ايراد أبرز المثالب كمثيلاتها ، فقال : «.. ألا أنها بسبب حب الملوك ، مطعمة للملوك. ومن أجل جمعها الصيد فى جوف الفرا ، مغلوبة للامراء ، .. الخ».
حقا لقد كانت «تلمسان» يومئذ ضمن مملكة بنى مرين حينما امتد ملكهم الى الجزائر عام ٧٩٦ ه (١٣٩٣ م) ، واضحى ملك بنى زيان تابعا لبنى مرين ، وبقى الامر كذلك حتى دب الضعف فى الدولة المرينية ، واستبد بنو وطاس ووزراؤهم بالامر ، فهيأ ذلك لبنى زيان أن يستقلوا مرة أخرى بأمر تلمسان ، كما هيا مثل هذا الاستقلال للاشراف أن يظهروا فى مراكش بجنوب المغرب (١).
وقد وفد ابن الخطيب فى ذلك الابان على مدينة تلمسان سفيرا ثم زائرا ، وأخيرا عندما لجا فارا من الاندلس ، حيث احتمى بظلال بنى مرين على ما
__________________
(١) ابن خلدون فى «العبر» ج ٧ ص ١٦٦ ، والذخيرة السنية ص ١٤٨ ، والاستقصاء ج ٢ ص ١٦.