الفكري والعلمي والثقافي الذي شهدته مدينة بغداد ، كان له في بعض الاحيان ردود فعل مضادة من قبل السلفيين المتشددين الذين استغلوا بعض الاجواء الخاصة لحمل السلطة على التراجع عن الانفتاح لصالح الحرية الفكرية السائدة ، ومن ثمة اصبح رجال العلم الذين يدرسون العلوم العقلية الى جانب العلوم الشرعية في خطر ماحق. فقد اعتبرهم السلفيون خطرا على الدين ، فاخذوا يضطهدونهم ويطاردونهم (١).
وقد بدأت هذه الحملة الضارية على يد الخليفة القادر بالله (٣٨١ ـ ٤٢٢ هـ) معتقداً ان العناصر المناوئة للحركة السلفية ذات صلة فكرية وعقائدية بالخلافة الفاطمية بمصر التي كانت انذاك قوة تهد العباسيين تهديداً مباشراً ، فقد انتشرت دعوتهم فيكل مكان من العراق (٢). فرأى الخليفة العباسي ، ازاء هذا الخطر ان يضعف من شأن الدعوة الفاطمية بهذه الطريقة القاسية ، وان يتخذ من السلفية قوة مناوئة لها ، ولهذا السبب توجه القادر بالله الى العلماء وذوي المكانة الدينية في تجريد حملة تشكيك مركزة ضد الفاطميين ، والطعن بعلويتهم ونسبهم الى الكفر والفسق ونحو ذلك (٣).
وفي ٤٢٧ هـ ، امر بترك التعامل بالدنانير المغربية ، وامر الشهود ان لا يشهدوا في كتاب ابتياع ولا اجارة ولا مداينة يذكر فيها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
١ ـ الحكيم ، الشيخ الطوسي ، ص ٤٩ ـ ص ٥٠.
٢ ـ ابو الفدا ، المختصر في اخبار البشر ، ٢ / ١٤٢ ـ ١٤٣. المقريزي ، اتعاط الحنفا ، ص ٤٥ ـ ص ٤٧.
٣ ـ حسن ابراهيم حسن ، تاريخ الدولة الفاطمية ، ص ٢٢٨.