ثم لاح للفاروق أن سهم المؤلفة قلوبهم
لا ضرورة له ، وهم لا يستحقونه ، وإعطاء هذا السهم للمؤلفة قلوبهم بعثرة لمال الله
، فالله نصر الإسلام وأعز دينه ، ولاحاجة لتأليف القلوب بالمال ، وبجرة قلم أسقط
سهم المؤلفة قلوبهم ، ومنع عنهم الحق الذي رتبه الله لهم ، ولم يمنعه عن ذلك علمه
بأن الرسول نفسه قد أعطى المؤلفة قلوبهم هذا السهم بالرغم من مجيء نصر الله
والفتح. وسهم الخمس مثال ، ومتعة الحج شرعت على عهد النبي وظلت قائمة حتى نهى عنها
الفاروق ، وفي زمن النبي وأبي بكر « الطلقات » يجب أن تكون متفرقة ، فجاء عمر وقال
: إن المسلمين يستعجلون الأمر وإن الأوفق أن يكون الطلاق ثلاث مرات ) فجعل صيغة (
أنتِ طالق ثلاثاً ) تحل محل الطلاق ثلاث مرات ... الخ.
الفاروق يندفع كالإعصار ، فلا شيء يقف
في طريقه ولا شيء يمنعه من أن يقول ما يعتقد أنه الحق بمواجهة أي كان ، فقد كانت
له الكلمة العليا في زمن الصديق ، لأن الصديق مدين له باستخلافه ، ولو شاء عمر
لكان هو الخليفة الأول بدلاً من الصديق ، وكانت له الكلمة العليا في زمنه هو
الخليفة ، وكانت له الكلمة المسموعة في كل بطون قريش ، لأنها تعرف أنه وحده منع
الهاشميين من أن يجمعوا الخلافة والنبوة ولولاه لجمعوهما ، وكانت له الكلمة العليا
عند بني أمية بالذات ، فهو الذي عين يزيد بن أبي سفيان ومعاوية وثبتهما على ولاية
الشام ، وهو الذي أوصى عملياً لعثمان الأموي ، فغزت محبته قلوب قريش ، وامتدت
لبقية المجتمع المسلم ، وسرت كالعافية ، ومما ساعد على توطيدها انه لم يتدنس بشهوة
كما يقول الإمام العاملي.
على مفترق الطرق
الانهيارات
اهتزت الأرض من تحت أقدام الذين آمنوا ،
ومادت بهم حتى والنبي على فراش الموت ، وحدثت سلسلة هائلة من الانهيارات المتلاحقة
والانهيار يتبعه بالضرورة انيهار ، والانيهار التام وارد لا محالة ، أما متى؟ فا
لله وحده هو الذي يعلم ، وقد بدأت سلسلة الانهيارات عندما حالوا بين الرسول وبين
كتابة ما يريد ،