وأنه غير الزكاة ، لذا نهي عن الحصاد في الليل ، لا خشية الحيّات وهوّام الأرض ؛ لأن عقوبة أصحاب الجنة كانت بسبب ما أرادوه من منع المساكين ، كما ذكر الله تعالى.
٣ ـ دلّ قوله تعالى : (إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ) على أن العزم مما يؤاخذ به الإنسان ؛ لأنهم عزموا على أن يفعلوا ، فعوقبوا قبل فعلهم. ونظير هذه الآية : (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ ، نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ) [الحج ٢٢ / ٢٥]. وفي الصحيح عن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «إذا التقى المسلمان بسيفيهما ، فالقاتل والمقتول في النار ، قيل : يا رسول الله ، هذا القاتل ، فما بال المقتول؟ قال : إنه كان حريصا على قتل صاحبه».
٤ ـ إن الإنسان ضعيف القوة والتدبير والرأي ، فلقد أحكم أصحاب الجنة الخطّة ، وصمموا على صرام الزرع والثمر أو العنب في الصباح الباكر قبل أن ينتشر المساكين في البساتين ، وذهبوا جادين مسرعين ، متسارّين ، أي يخفون كلامهم ويسرّونه لئلا يعلم بهم أحد قائلين : لا يدخل علينا مسكين ، أي لا تمكنوه من الدخول ، وعزموا على حرمان المساكين ، مع كونهم قادرين على نفعهم ، وهم يظنون أنهم تمكنوا من مرادهم ، ففوجئوا بتدمير الله وإحراقه الحرث وإتلافه الغلة والثمر.
٥ ـ ولما رأوا الجنة محترقة لا شيء فيها ، قد صارت كالليل الأسود وأضحت كالرماد ، شكوا فيها ، وقالوا : ضللنا الطريق إلى جنتنا ، ثم لما تيقنوا منها قالوا : بل نحن محرومون ، أي حرمنا جنتنا بما صنعنا. وهذا دليل على أن الرجوع إلى الحق خير من التمادي في الباطل.
٦ ـ كان أوسطهم ، أي أمثلهم وأعدلهم وأعقلهم قد أمرهم بالاستثناء وهو سبحان الله أي تنزيها لله عزوجل ، فقال لهم : هلّا تسبّحون الله ؛ أي تقولون :