ثم دعوا ربهم أن يعوضهم عما حلّ بهم ، فقالوا :
(عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها ، إِنَّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ) أي لعل الله ربّنا أن يعطينا بدلا خيرا من جنتنا ، فإنا راجون العفو والخير منه. قال مجاهد : إنهم تابوا فأبدلوا خيرا منها.
ثم ذكر الله تعالى العبرة من القصة ، فقال :
(كَذلِكَ الْعَذابُ ، وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) أي مثل ذلك العذاب الذي بلونا به أهل الجنة من الحرمان ، وأهل مكة من القحط والقتل عذاب الدنيا ، وهو عذاب كل من خالف أمر الله ، وبخل بما آتاه الله وأنعم به عليه ، ومنع حق المسكين والفقير ، وإن عذاب الآخرة أشد وأعظم وأشق من عذاب الدنيا ، فلو كان المشركون يعلمون ذلك ، لعادوا إلى رشدهم ، وبادروا إلى الإيمان بدعوة النبي المصطفى صلىاللهعليهوسلم ، وأقلعوا عن الغي والضلال ، ولكنهم لا يعلمون. وهذا دليل على غفلتهم وجهلهم وبعدهم عن الحق والصواب.
فقه الحياة أو الأحكام :
دلّت قصة أصحاب الجنة على ما يأتي :
١ ـ الدنيا دار ابتلاء واختبار ، فقد ابتلى الله تعالى أصحاب الجنة (البستان) وابتلى أهل مكة ، بأن أعطاهم ربّهم أموالا ليشكروا ، لا ليبطروا ، فلما بطروا ، وعادى المشركون محمدا صلىاللهعليهوسلم ، ابتلاهم بالجوع والقحط ، كما ابتلى (اختبر) أهل الجنة المعروف خبرها عندهم ؛ لأنهم من أهل اليمن القريبة منهم ، على بعد ستة أميال من صنعاء.
٢ ـ قال بعض العلماء : على من حصد زرعا أو جدّ ثمرة أن يواسي منها من حضره ، وذلك معنى قوله تعالى : (وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ) [الأنعام ٦ / ١٤١]