(وَأَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً ، إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ ، لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها ، لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) أي أصبح فؤاد أم موسى حين ذهب ولدها في البحر فارغا من كل شيء من شواغل الدنيا إلا من موسى ، كما أنه طار عقلها ، وسيطر عليها الخوف والفزع ، حين سمعت بوقوعه في يد فرعون ، وكادت من شدة حزنها وأسفها أن تظهر أنه ذهب لها ولد ، وتخبر بحالها أنها أمه ، لو لا أن الله ثبّتها وصبّرها ، لتكون من المصدقين الواثقين بوعد الله برده إليها : (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ).
والخلاصة : لو لا تثبيت الله قلبها وتصبيره إياها لكشفت أمرها ، وباحت بسرها ، وأظهرت أنه ابنها ، بحكم العاطفة والشفقة ، فألهمها الله أن تتعرف خبره بأخته :
(وَقالَتْ لِأُخْتِهِ : قُصِّيهِ ، فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ ، وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) أي وقالت أم موسى لابنتها الكبيرة التي تعي ما يقال لها : تتبعي أثره ، وتعرفي خبره ، واطلبي شأنه من نواحي البلد ، فخرجت لذلك ، فهداها الله لمقرّ وجوده في بيت فرعون ، وأبصرته عن بعد أو من بعيد ، وهم لا يحسون بأنها تتعقبه ، وتتعرف حاله ، وأنها أخته.
وتتابعه عناية الله ويسوقه القدر إلى إرجاعه لمهد أمه ، فقال تعالى : (وَحَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ ، فَقالَتْ : هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ ، وَهُمْ لَهُ ناصِحُونَ)؟ أي ومنعنا موسى أن يرضع ثديا غير ثدي أمه قبل رده إلى أمه وقبل مجيء أخته ، لكرامته عند الله وصيانته له أن يرتضع غير ثدي أمه ، والتحريم : استعارة للمنع ، لأن من حرم عليه الشيء فقد منعه. فقالت أخته لما رأت ارتباكهم واهتمامهم برضاعه : أتريدون أن أدلكم على أهل بيت يتكفلون بشأنه وإرضاعه وتربيته ، وهم حافظون له ، ناصحون ، يعنون بخدمته والمحافظة عليه؟