والصفاء بين الرعية ، وهذا في الواقع هو المبدأ الأمثل الذي يريح الحاكم ، ويقوّي الأمة ، ويبني أمجادها ، ويحقق لها الانتصارات المتلاحقة.
(يَسْتَضْعِفُ طائِفَةً مِنْهُمْ) أي يجعل جماعة منهم أذلة مقهورين ، وهم بنو إسرائيل. ومظاهر الاستضعاف هي :
(يُذَبِّحُ أَبْناءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِساءَهُمْ) أي يقتل مواليدهم الذكور ، ويبقي إناثهم أحياء ، إهانة لهم واحتقارا ، وخوفا من وجود غلام منهم كان فرعون وأهل مملكته قد تخوفوا من ظهور غلام منهم يكون سبب هلاكهم وذهاب دولتهم على يديه ، وذلك لأن الكهنة قالوا له : إن مولودا يولد في بني إسرائيل يذهب ملكك على يديه ، أو قال المنجّمون له ذلك ، أو رأى رؤيا ، فعبّرت كذلك.
قال الزجّاج : العجب من حمقه ، لم يدر أن الكاهن إن صدق فالقتل لا ينفع ، وإن كذب فلا معنى للقتل.
(إِنَّهُ كانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) أي في الأرض بالعمل والمعاصي والتجبر ، فيقتل بلا ذنب ، وينشر الرعب والإرهاب بلا مسوغ ، وهذا شأن الظلمة العتاة الذين يستبد القلق والاضطراب في نفوسهم ، فيرتكبون مثل هذه الفظائع. ولو شعروا يوما أو أكثر بالطمأنينة والراحة ، ونشر عليهم الإيمان أجنحته وظلاله الوادعة ، لعاشوا في استقرار وأمان ، ولم يعيثوا في الأرض فسادا ، ولما احتاجوا إلى مثل هذا العسف والظلم المؤذن بدمارهم.
وبعد أن ذكر تعالى هذه الصفات الخمس الذميمة للعتاة وهي الاستعلاء في الأرض ، والاستضعاف ، وقتل الأبناء ، وإبقاء الإناث ، والإفساد ، ذكر في مقابلها خصائص خمسا للمستضعفين من بني إسرائيل وهي : إنقاذهم من الظلم ، وجعلهم القادة بعد فرعون وقومه ، وجعلهم ورثة مصر والشام ، وجعل السلطة لهم فيها ، وإظهار ما كان يحذره فرعون وهامان وجنودهما من دمارهم وذهاب