(وَما كانَ اللهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) أي وما كان ينبغي لله أن يظلمهم أبدا فيما فعل بهم ، ولكنه أهلكهم بذنوبهم وبظلمهم أنفسهم وكفرهم بالله ربهم.
فقه الحياة أو الأحكام :
هناك سبب مشترك في عقاب الأمم المتقدمة وإهلاكهم وهو الكفر بالله كفر تحد وعناد ، مع الإفساد ، في الأرض بالمعاصي الكبائر.
فقوم مدين : رفضوا دعوة نبيهم شعيب عليهالسلام الذي قال لهم : الله تعالى واحد فاعبدوه ، والحشر كائن فارجوه ، والفساد بالكفر والظلم والمعصية محرم فلا تقربوه ، فكذبوه فيما دعاهم إليه وأخبرهم به.
فعاقبهم الله كما ذكر هنا وفي الأعراف بالرجفة ، وفي هود بالصيحة ، والأمر واحد ، فإن الصيحة كانت سببا للرجفة ، أي زلزلة الأرض ، إما بسبب صيحة جبريل ، وإما بسبب رجفة الأفئدة التي ارتجفت منها ، ولما كانت الصيحة عظيمة أحدثت الزلزلة في الأرض ، فأصبحوا جاثمين ميتين في ديارهم.
وقبيلتا عاد وثمود : أهلكهما الله تعالى بظلمهم ، أما عاد قوم هود عليهالسلام فقالوا : (مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً) [فصلت ٤١ / ١٥]؟ فأنكروا وجود الإله الخالق القادر ، وعتوا وبغوا وتعالوا على الناس ، فدمر الله ديارهم بمن فيها (بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ ، سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً) [الحاقة ٦٩ / ٦ ـ ٧]. وأما ثمود قوم صالح فكذبوا رسولهم وأعلنوا كفرهم وهددوا نبيهم بالطرد والإخراج من بلدهم ، وعقروا الناقة التي أرسلها الله إليهم معجزة لنبيهم صالح ، وكان عقابهم كعقاب أهل مدين بالصيحة أو الزلزلة أو الطاغية ، وبقيت آثار ثمود وعاد بالحجر والأحقاف شاهدة على ظلمهم ، وآية بينة مؤثرة للمعتبرين المتعظين.