لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً ، وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ) [الحاقة ٦٩ / ١١ ـ ١٢]. والضمير في قوله: (جَعَلْناها) عائد إلى السفينة المذكورة.
فقه الحياة أو الأحكام :
هذا عرض موجز جدا لقصة نوح مع قومه ، فصلت في مواضع أخرى كثيرة من القرآن الكريم. وقد دلت مع هذا الإيجاز على العظة المؤثرة منها ، فإنها ذكرت تسلية للنبي صلىاللهعليهوسلم لما أسف على إعراض قومه عن دعوته ، فأخبره الله تعالى بأن الأنبياء قبلك ابتلوا بالكفار من أقوامهم فصبروا ، وخص نوحا بالذكر أولا ؛ لأنه أول رسول أرسل إلى الأرض ، بعد أن امتلأت كفرا ، وأنه لم يلق نبي من قومه ما لقي نوح عليهالسلام ، كما تقدم في سورة هود.
روى ابن عساكر عن أنس أن النبي صلىاللهعليهوسلم قال : «أول نبي أرسل نوح». واختلف في عمره ، قال الحسن البصري : لما أتى ملك الموت نوحا ليقبض روحه قال : يا نوح كم عشت في الدنيا؟ قال : ثلاث مائة قبل أن أبعث ، وألف سنة إلا خمسين عاما في قومي ، وثلاث مائة سنة وخمسين سنة بعد الطوفان ، قال ملك الموت : فكيف وجدت الدنيا؟ قال نوح : مثل دار لها بابان ، دخلت من هذا ، وخرجت من هذا.
وبالرغم من هذه المدة الطويلة في الدعوة إلى توحيد الله ، لم يؤمن برسالة نوح عليهالسلام إلا فئة قليلة.
وظهر في القصة بنحو ملحوظ مصير المؤمنين ومصير الكافرين ، أما الأوائل فقد نجاهم الله في السفينة التي كان نوح قد صنعها ، فركبوا فيها ونجوا من الغرق ، وأما الكافرون المكذبون فقد أغرقهم الله جميعا ، وجعل الله السفينة أو العقوبة أو النجاة عبرة لمن اعتبر وعظة لمن اتعظ.