البلاغة :
(أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) تفنن في التعبير ، فلم يقل : إلا خمسين سنة ، تحاشيا للتكرار المنافي للبلاغة ، إلا إذا كان لغرض كالتفخيم أو التهويل ، مثل : (الْقارِعَةُ مَا الْقارِعَةُ) [القارعة ١٠١ / ١ ـ ٢].
المفردات اللغوية :
(فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عاماً) أي مكث في قومه يدعوهم إلى توحيد الله تسع مائة وخمسين سنة ، فكذبوه. روي أنه بعث على رأس أربعين ، ودعا قومه تسع مائة وخمسين ، وعاش بعد الطوفان ستين. قال البيضاوي : ولعل اختيار هذه العبارة للدلالة على كمال العدد ، فإن تسع مائة وخمسين قد يطلق على ما يقرب منه.
(فَأَخَذَهُمُ الطُّوفانُ) طوفان الماء ، والطوفان في الأصل : اسم لما طاف بكثرة من سيل أو ظلام أو موت أو غيرها. (وَهُمْ ظالِمُونَ) بالكفر. (فَأَنْجَيْناهُ) أي نوحا. (وَأَصْحابَ السَّفِينَةِ) أي الذين أركبهم معه من أولاده وأتباعه المؤمنين ، وكانوا ثمانين ، أو ثمانية وسبعين ، نصفهم ذكور ونصفهم إناث. (آيَةً) عبرة. (لِلْعالَمِينَ) لمن بعدهم من الناس إن عصوا رسله ، يتعظون ويستدلون بها.
المناسبة :
بعد بيان التكليف وأقسام المكلفين ووعد المؤمن الصادق بالثواب العظيم ، ووعيد الكافر والمنافق بالعذاب الأليم ، ذكر الله تعالى قصة أطول الأنبياء عمرا نوح عليهالسلام الذي دعا قومه إلى توحيد الله ألف سنة إلا خمسين عاما ، فلم يؤمن معه إلا قليل.
ثم أتبع ذلك بذكر قصص أنبياء آخرين : إبراهيم ، ولوط وهود وشعيب وصالح ، لبيان عاقبة الله في المكذبين من المكلفين ، وتسلية لرسول الله صلىاللهعليهوسلم وتثبيته على ما يكابده من أذى الكفرة ، وعبرة لمن يعتبر ، وتأكيدا لما في بداية السورة الكريمة من أن الابتلاء سنة الحياة.