(وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنا أَنْعاماً وَأَناسِيَّ كَثِيراً) أي وليشرب منه الحيوان والإنسان المحتاجان إليه أشد الحاجة لبقاء الحياة وسقي الزروع والأشجار ، كما قال تعالى : (وَهُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا ، وَيَنْشُرُ رَحْمَتَهُ) [الشورى ٤٢ / ٢٨].
والخلاصة : ذكر الله تعالى لمنافع الماء أمرين : إحياء النبات ، لقوله : (لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً) وإحياء الحيوان والإنسان لقوله : (أَنْعاماً وَأَناسِيَ).
والسبب في تخصيص الإنسان والأنعام هنا بالذكر دون الطير والوحش مع انتفاع الكل بالماء هو شدة الحاجة ، فالطير والوحش تبعد في طلب الماء ، وتصبر على فقده أكثر من الناس والحيوان الأهلي ، فلا يعوزها الشرب غالبا.
وتنكير الأنعام والأناسي ، ووصفهما بالكثرة ، لملاحظة أحوال الماشية البعيدة عن منابع الماء ، وأهل البوادي الذين يعيشون بالمطر ، أما أهل المدن والقرى فيقيمون عادة بقرب الأنهار ومنابع الماء ، فهم في غنية عن المطر بشرب المياه المجاورة لهم.
وقدم الأنعام وأخر الإنسان عن النبات والحيوان لشدة حاجة الحيوان وكونه عاجزا عن التعبير عن مراده ، أما الإنسان فيتفنن في استخراج الماء بوسائل عديدة ، ولأن الناس إذا ظفروا بما يسقي أرضهم ومواشيهم ، فقد ظفروا أيضا بسقياهم ، فقدم ما هو سبب حياتهم ومعيشتهم على سقيهم.
(وَلَقَدْ صَرَّفْناهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا ، فَأَبى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُوراً) أي ولقد فرقنا المطر وحولناه من جهة إلى أخرى ، فأمطرنا هذه الأرض دون هذه ، وسقنا السحاب من مكان إلى آخر ليتذكروا نعمة الله ويعتبروا ، فإن الحرمان من الشيء ثم الإفاضة به يذكّر بفضل الله ونعمته ، فيوجب الشكر ، ويدفع الإنسان إلى العظة والعبرة ، ولكن أكثر الناس يأبون شكر النعمة ، ويكفرون بها