ثانيا ـ (إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ) وهذا تصريح بما رمز إليه أولا ، فإنكم فعلتم ذلك بتواطؤ بينكم وبينه ، وقصّرتم في السحر ، ليظهر أمر موسى. وهذا تلبيس على القوم وتضليل لهم لئلا يعتقدوا أن إيمان السحرة حق ، ومبالغة في التنفير عن موسى عليهالسلام ، ومكابرة ظاهرة الضعف ، فإنهم لم يجتمعوا بموسى قبل الموعد أصلا ، فكيف يكون هو كبيرهم الذي علمهم السحر؟!
ثالثا ـ (فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ) وبال ما فعلتم ، وما ينالكم مني من عقاب. وهذا وعيد مطلق وتهديد شديد.
رابعا ـ (لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ، وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ) أي توعدهم بتقطيع الأيدي والأرجل من خلاف بقطع اليد اليمنى والرجل اليسرى ، والصلب بعد ذلك جميعا. وليس في الإهلاك أشد من ذلك.
فأجابوه بما يدل على صلابة الإيمان بوجهين :
الأول ـ (قالُوا : لا ضَيْرَ إِنَّا إِلى رَبِّنا مُنْقَلِبُونَ) الضر والضير واحد ، أي لا حرج ولا ضرر علينا من ذلك ، ولا نبالي به ، فكل إنسان ميت ، ولو بعد حين ، والمرجع إلى الله عزوجل ، وهو لا يضيع أجر من أحسن عملا ، ولا يخفى عليه ما فعلت بنا ، وسيجزينا على ذلك أتم الجزاء ، وهذا دليل على أنهم ما آمنوا رغبة في ثواب أو رهبة من عقاب ، وإنما مقصودهم مرضاة الله تعالى ، ولهذا قالوا :
الثاني ـ (إِنَّا نَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لَنا رَبُّنا خَطايانا أَنْ كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ) وهذا إشارة منهم إلى الكفر والسحر ، أي إنا نأمل أن يغفر لنا ربنا ذنوبنا وما أكرهتنا عليه من السحر ، من أجل أن كنا أول المؤمنين الذين شهدوا هذا الموقف ، أو بسبب أنا بادرنا قومنا من القبط إلى الإيمان. فما كان من فرعون إلا أن قتلهم جميعا. والطمع في هذا الموضع يحتمل اليقين ، كقول إبراهيم : (وَالَّذِي أَطْمَعُ أَنْ