وآلات الحرب والعلم ، وأقدرناه على التصرف بحيث يصل إلى جميع أنحاء المملكة ، ومهّدنا له من الأسباب والوسائل التي تمكّنه من السيطرة وبسط النفوذ أين شاء وكيف شاء ، فملك مشارق الأرض ومغاربها ، ودانت له البلاد ، وخضعت له ملوك العرب والعجم. فقوله : (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) معناه أعطيناه من كل ما يتعلق بمطلوبه طريقا يتوصل بها إلى ما يريده ، وهذه الطرق هي :
١ ـ (فَأَتْبَعَ سَبَباً ، حَتَّى إِذا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَها تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أي فاتّبع طريقا من الطرق التي تؤديه إلى مراده ، حتى إذا وصل نهاية الأرض من جهة المغرب التي ليس بعدها إلا البحر المحيط ، وهو بحر الظلمات أو المحيط الأطلسي ، سائرا في بلاد المغرب : تونس والجزائر ومرّاكش ، فوجد الشمس تغرب في عين كثيرة الحمأة ، أي الطين الأسود ، وهذا ما يلاحظ من غياب قرص الشمس على ساحل المحيط المختلط بالرمال والطينة السوداء.
قال الرازي : إنه ثبت بالدليل أن الأرض كرة ، وأن السماء محيطة بها ، ولا شك أن الشمس في الفلك ، وأيضا قال تعالى : (وَوَجَدَ عِنْدَها قَوْماً) ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير موجود ، وأيضا الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة ، فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض؟ إذا ثبت هذا ، فنقول : تأويل قوله تعالى : (تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ) أن ذا القرنين لما بلغ موضعها في المغرب ، ولم يبق بعده شيء من العمارات ، وجد الشمس كأنها تغرب في عين وهدة مظلمة ، وإن لم تكن كذلك في الحقيقة ، كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر ، إذا لم ير الشط ، وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر ، وهذا هو التأويل الذي ذكره أبو علي الجبائي في تفسيره (١). ثم ذكر تأويلات أخرى بعيدة القبول.
__________________
(١) تفسير الرازي : ٢١ / ١٦٦